الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كان المقصود بضمان الدين بالراتب هو ما يقصد بالرهن من توثيق الدين بهذا الراتب ليستوفي الدائن منه دينه إذا تعذر استيفاؤه من المدين، فلا شك أن في هذا غرراً شديداً يؤثر في صحة التوثيق، لأن الراتب ليس بموجود، ويحتمل الوجود كما يحتمل العدم، وما كان كذلك لا يصح توثيق الدين به.
قال الكاساني في بدائع الصنائع: فلا يجوز رهن ما ليس بموجود عند العقد، ولا رهن ما يحتمل الوجود والعدم، كما إذا رهن ما يثمر نخيله العام أو ما تلد أغنامه السنة أو ما في بطن هذه الجارية.
وحيث لم يصح هذا التوثيق، فالبائع مخير بين فسخ البيع وبين إمضائه، قال البهوتي في كشاف
القناع: فيما يفسد فيه الشرط ويصح البيع: وكذا شرط رهن فاسد، كمجهول وخمر (ونحوه) (ولمن فات غرضه) بفساد الشرط من بائع ومشتر (الفسخ) علم الحكم أو جهله، لأنه لم يسلم له الشرط الذي دخل عليه لقضاء الشرع بفساده، هذا إذا كان المقصود بضمان الدين بالراتب هو ما يقصد بالرهن.
أما إذا كان المقصود هو أن الدائن يستوفي من راتب الموظف المدين ما يستحقه من الدين المؤجل عند حلول أجله، فهذا لا بأس به.
وإذا تقرر هذا، فإذا مات الموظف فهل يستوفى الدين من الراتب الذي يصرف بعد وفاته؟ في ذلك
تفصيل: تابع لطبيعة هذا الراتب الذي يصرف بعد الوفاة، وهو لا يخرج من حيث طبيعته عن ثلاث صور:
الأولى: أن يكون مخصوماً من أصل استحقاقات الموظف حال حياته، وبالتالي فهو ملك للموظف ويدخل في تركته، ويستوفى منه قبل تقسيم التركة ما على الموظف من الدين، كما يستوفى من غيره من أجزاء تركته.
الثانية: أن يكون منحة من جهة العمل لبعض ورثة الميت بعد وفاته، فيجب حينئذ أن يصرف لمن خصصته الجهة المذكورة له دون غيره، ولا يجوز أن يستقطع منه ما على الميت من دين، فإذا استقطع منه دين الميت رجع المستحقون له على باقي تركة الميت بمقدار ما استقطع منهم.
الثالثة: أن يكون جزء منه من أصل استحقاقات الموظف، والجزء الآخر تتبرع به جهة العمل، فما
كان منه مخصوماً من الاستحقاقات، فهو جزء من التركة، ويستوفى منه ما على الميت من دين كما تقدم، وما كان منه تبرعاً من جهة العمل، فهو حق لمن صرفته له دون غيره، لا يستقطع منه دين الميت، فإذا استقطع منه دين الميت رجع المستحقون له على باقي تركة الميت بمقدار ما استقطع منهم.
والله أعلم.