الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشأن ربنا عظيم، لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسله الذين هم أعرف الخلق به، ولا ينبغي مناجاته والثناء عليه إلا بما هو أهله، ولا ينسب إليه إلا ما يليق به، مما يتضمن التعظيم والكمال والتنزيه عن النقائص.
وهذه الألفاظ فيها سوء أدب مع الله تعالى؛ لما تتضمنه وتستلزمه من نسبته إلى ما لا يليق به.
فعبارة: (فهل تبخل عليَّ وأنت الكريم؟ وقلت: ربي، إن بخلت علي، فمن يكرم؟)، فلو منع الله عن العبد حاجته لحكمة يعلمها، فهل منعه بخلاً -حاشاه ربنا سبحانه-، فهو الكريم الجواد، يده ملأى لا يغيضها نفقة، سحَّاءُ الليل والنهار، يعطي لحكمة، ويمنع لحكمة، ومنعه عطاء.
يقول ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد: فلم يمنع الرب عبده ما العبد محتاج إليه بخلاً منه، ولا نقصًا من خزائنه، ولا استئثارًا عليه بما هو حق للعبد، بل منعه ليرده إليه، وليعزه بالتذلل له، وليغنيه بالافتقار إليه، وليجبره بالانكسار بين يديه، وليذيقه بمرارة المنع حلاوة الخضوع له، ولذة الفقر إليه، وليلبسه خلعة العبودية، ويوليه بعز له أشرف الولايات، وليشهده حكمته في قدرته، ورحمته في عزته، وبره ولطفه في قهره، وأن منعه عطاء، وعزله تولية، وعقوبته تأديب، وامتحانه محبة وعطية. اهـ.
وأما عبارة: (ربي، قلت في كتابك (ادعوني أستجب لكم) وكتابك حق، فهل تكذبه وأنت الحق؟)، فتقشعر منها الأبدان، فسل نفسك لو منع الله عنك الإجابة لما في سابق علمه أن الخير في عدم إجابتك، أو لاشتمال دعائك على مانع من موانع الإجابة، فهل هذا إخلاف لوعده، أو تكذيب لكلامه؟ وهل يكون كلامه صدقًا ووعده حقًا إن أجاب دعاءك، وغير ذلك إن منعك، أو أخر عنك حاجتك -تعالى الله عن ذلك علوا كبيرًا-، فوعده حق، وقوله صدق، كما قال سبحانه: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا {يونس: 4}، وقال: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا {النساء: 122}.
وينبغي أن يُعْلَم أن الدعاء نافع بكل أحواله، وقد يؤخر الله تعالى الإجابة لحكمة يعلمها، فلا يحمل الإنسانَ طمعُه وحرصُه على تعجيل الإجابة على مناجاة الله بما لا يجوز أن يخاطب به العبد ربه؛ ففي الحديث: ما من مسلمٍ يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ، ولا قطيعةُ رَحِمٍ؛ إلا أعطاه بها إحدى ثلاثَ: إما أن يُعجِّلَ له دعوتَه، وإما أن يدَّخِرَها له في الآخرةِ، وإما أن يَصرِف عنه من السُّوءِ مثلَها. قالوا: إذًا نُكثِرُ. قال: اللهُ أكثرُ. رواه أحمد. وراجع للمزيد عن الحكم والأسباب في عدم استجابة الدعاء الفتاوى التالية: 405031، 362866، 363871.
وعليه؛ فلا يجوز مناجاة الله تعالى ودعاؤه بما ذكرت، وعليك بالتوبة والاكثار من الاستغفار، وأنت معذور لجهلك بما يتضمنه قولك، والجاهل معذور في الشريعة، كما هو مبين في الفتوى: 75673.
وينبغي للإنسان أن يدعو بالأدعية الجامعة المأثورة عن النبي صلى عليه وسلم، ففيها الثناء على الله بما يليق به، وفيها فواتح الخير وجوامعه.
والله أعلم.