هل يجوز وصف الوالد بالظلم لكونه فضل بعض أولاده في الهبة؟

6-1-2025 | إسلام ويب

السؤال:
اشترى زوجي سيارة لأحد أبنائي الذكور، وجهّز عيادة له، وهو طبيب أسنان حديث التخرّج بمبلغ كبير، وله ابن يدرس الطب البشري، ولم يساعده بشيء، بل جهّز عيادته بنفسه، وعيادة الأسنان تكلّف أجهزة غالية، لا تحتاجها عيادة الطبيب البشري، ولا يقدر طبيب الأسنان على تجهيز عيادته الخاصة بمفرده؛ لأنه حديث التخرّج، واشترى الطبيب البشري سيارته من ماله الخاص، ورأى الإخوة -وهم أختان، والطبيب البشري- أن يردّ طبيب الأسنان ما اختصّه به أبوه من المال دونهم؛ خوفًا على أبيهم من ارتكاب ذنب عدم المساواة بينهم، ووافق طبيب الأسنان، لكن الجنيه انهار بشدة، فقد كان الدولار وقت العطاء يعادل 15 جنيهًا، والدولار الآن يعادل أكثر من 50 جنيهًا، فهل تقدّر قيمة المبلغ بالدولار حينها، ويردّها الابن بما يعادل المبلغ بالدولار الآن بسعره الحالي؟ مع العلم أن المبلغ حينها أعطي للابن بالجنيه، وسوف يسدّد الابن بالجنيه، ولكن بالقيمة الدولارية الجديدة، والأب حيّ يرزق، ولا يجد غضاضة في ألا يردّ هذا الابن ما أعطاه له دون إخوته، وهل من الممكن أن تقدّر قيمة الدولار بمبلغ 25 جنيهًا فقط وليس 50 جنيهًا كسعر وسط يدفعه الابن، وإخوته لا يعلمون عن هذا شيئًا، بعلمي أنا -أمّه- فقط، فهل يشترط معرفة ورضا الإخوة عن هذا الحلّ الوسط؟ فطبيب الأسنان اتفق معي (الأم) أن يردّ المبلغ بقيمة الدولار 25 جنيهًا بدلًا من قيمته الحالية، دون علم إخوته؛ لأن المبلغ أصبح مخسوفًا به بعد انهيار العملة، فهل أنا آثمة للإخفاء عن الإخوة؟ وهل الأب ظالم في عطيته؟ وهل الابن مظلوم في ردّ المبلغ؛ رغم عدم مطالبة أبيه له بذلك، وعدم اشتراطه أن يردّ المبلغ بالقيمة الدولارية وقت أخذ المبلغ، ولكن مع انهيار سعر الجنيه تم الاتفاق أن يكون الردّ طبقًا لسعر الدولار، فهل طريقة تقدير المبلغ صحيحة؟ وجزاكم الله خيرًا كثيرًا.

الإجابــة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فتخصيص الوالد بعض ولده بهبة على سبيل الأثرة، مكروه عند جمهور الفقهاء، ومحرّم عند الحنابلة، ويجب عندهم ردّ الهبة، أو تعديلها بحيث يأخذ كل واحد من الأولاد مثل الآخر.

 وأما إذا كان التخصيص لا على سبيل الأثرة، وإنما لمسوّغ شرعي، أو لمعنى فيه -كالفقر، أو الحاجة- فلا يكره عندهم جميعًا، وراجعي في ذلك الفتوى: 123771

وهذا بخلاف النفقة، فإنها لا تدخل فيما يؤمر به من العدل بين الأولاد في الهبة؛ لأن النفقة تكون بحسب الحاجة والعرف، فما يحتاجه هذا قد لا يحتاجه هذا، وانظري الفتوى: 376237

وبهذا يتبيّن أن وصف الوالد بالظلم، أو وقوعه في الإثم، لا يصحّ مطلقًا عند جمهور الفقهاء، وقد لا يكون كذلك حتى عند الحنابلة الذين يوجبون العدل بين الأولاد، إذا كانت الهبة لسبب يقتضيها.

قال ابن قدامة الحنبلي في المغني: إن خصّ بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه، مثل اختصاصه بحاجة، أو زمانة، أو عمى، أو كثرة عائلة، أو اشتغاله بالعلم، أو نحوه من الفضائل، أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه، أو بدعته، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله، أو ينفقه فيها، فقد روي عن أحمد ما يدلّ على جواز ذلك؛ لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف: لا بأس به، إذا كان لحاجة، وأكرهه، إذا كان على سبيل الأثرة. والعطية في معناه. اهـ. 

وبهذا يتبيّن أن الابن لا يلزمه ردّ هذا المال، كما لا يلزم أباه استرداده، على مذهب الجمهور.

وإذا فرضنا وجوب الردّ؛ فإنه يكون بالعملة التي قبضها (الجنيه، لا الدولار) بغضّ النظر عن تضخّمها، ونقصان قيمتها؛ فالأصل الذي عليه جمهور الفقهاء أن الحق يُقضى بمثله، لا بقيمته، شأنه شأن سائر الديون الثابتة في الذمّة، ولا يصحّ ربطه بمستوى الأسعار، أو بمعدل التضخّم، وراجعي في ذلك الفتويين: 20224، 99163.

والله أعلم.

www.islamweb.net