الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتخصيص الوالد بعض ولده بهبة على سبيل الأثرة، مكروه عند جمهور الفقهاء، ومحرّم عند الحنابلة، ويجب عندهم ردّ الهبة، أو تعديلها بحيث يأخذ كل واحد من الأولاد مثل الآخر.
وأما إذا كان التخصيص لا على سبيل الأثرة، وإنما لمسوّغ شرعي، أو لمعنى فيه -كالفقر، أو الحاجة- فلا يكره عندهم جميعًا، وراجعي في ذلك الفتوى: 123771.
وهذا بخلاف النفقة، فإنها لا تدخل فيما يؤمر به من العدل بين الأولاد في الهبة؛ لأن النفقة تكون بحسب الحاجة والعرف، فما يحتاجه هذا قد لا يحتاجه هذا، وانظري الفتوى: 376237.
وبهذا يتبيّن أن وصف الوالد بالظلم، أو وقوعه في الإثم، لا يصحّ مطلقًا عند جمهور الفقهاء، وقد لا يكون كذلك حتى عند الحنابلة الذين يوجبون العدل بين الأولاد، إذا كانت الهبة لسبب يقتضيها.
قال ابن قدامة الحنبلي في المغني: إن خصّ بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه، مثل اختصاصه بحاجة، أو زمانة، أو عمى، أو كثرة عائلة، أو اشتغاله بالعلم، أو نحوه من الفضائل، أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه، أو بدعته، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله، أو ينفقه فيها، فقد روي عن أحمد ما يدلّ على جواز ذلك؛ لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف: لا بأس به، إذا كان لحاجة، وأكرهه، إذا كان على سبيل الأثرة. والعطية في معناه. اهـ.
وبهذا يتبيّن أن الابن لا يلزمه ردّ هذا المال، كما لا يلزم أباه استرداده، على مذهب الجمهور.
وإذا فرضنا وجوب الردّ؛ فإنه يكون بالعملة التي قبضها (الجنيه، لا الدولار) بغضّ النظر عن تضخّمها، ونقصان قيمتها؛ فالأصل الذي عليه جمهور الفقهاء أن الحق يُقضى بمثله، لا بقيمته، شأنه شأن سائر الديون الثابتة في الذمّة، ولا يصحّ ربطه بمستوى الأسعار، أو بمعدل التضخّم، وراجعي في ذلك الفتويين: 20224، 99163.
والله أعلم.