الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن اقترض ونيّتُه أن يؤدي دَينه، ثم عجز عن أدائه، دون تفريط منه، فلا تَبِعة عليه في الآخرة -إن شاء الله تعالى-، ولا يؤخذ من حسناته لصاحب الدَّين، بل يتكفّل الله عنه لصاحب الدَّين، ويرضيه عنه من فضله، كما سبق بيانه في الفتوى: 414490، وما أحيل عليه فيها.
والمدين المعسر لا تجوز عقوبته، ولا التعدّي على عرضه بالذمّ الباطل، بل يجب إنظاره إلى أن يتيسّر حاله، ويستحبّ التصدّق عليه بدَينه، أو التنازل له عن شيء منه؛ كما قال تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:280}، وانظر للفائدة الفتويين: 34990، 158771.
والدائن له أن يطالب بحقّه، ويتمسّك به، ولكن دون تعدٍّ على حرمة المدين، فإن أغلظ له القول، استحبّ للمدين أن يصبر عليه، ويتحمّل غلظته، كما في حديث أبي هريرة، قال: كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حقّ، فأغلظ له، فهمّ به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لصاحب الحق مقالًا". رواه البخاري ومسلم.
قال ابن حجر في فتح الباري: أي: صولة الطلب، وقوّة الحجة، لكن مع مراعاة الأدب المشروع. اهـ.
وقال الصنعاني في التنوير شرح الجامع الصغير: فلا يلام إذا تكرر طلبه، وساء تقاضيه. اهـ.
وقال النووي في شرح مسلم: فيه: أنه يحتمل من صاحب الدَّين الكلام المعتاد في المطالبة. اهـ.
وقال ابن العطار في شرح العمدة: المُعْسِر لا يحلّ حبسه، ولا ملازمته، ولا مطالبته في الحال، حتى يوسِر، وهذا مذهب مالك، والشافعي، والجمهور.
وينبغي لمن عليه دَيْن ألا يضارَّ صاحب الدَّيْن بتعاطي أسباب الإعسار، وألا يؤلمه بكلام، ولا أذى؛ فإن لصاحب الحق مقالًا، وليس لمن عليه الحق مقال. اهـ.
والله أعلم.