الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمسلم مطالب باتباع أهل العلم والصلاح أهل النظر والأثر الوقافين عند كتاب الله وسنة رسوله، ومطالب بتجنب طريق أهل البدع والمحدثات، وهجران أهلها كما هي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعظته البليغة التي وعظ بها أصحابه، كما في حديث العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب. فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فأوصنا. قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة. رواه الترمذي وأبو داوود وابن ماجه.
قال الحافظ ابن رجب في كتاب جامع العلوم والحكم: فيه تحذير للأمة من اتباع الأمور المحدثة المبتدعة وأكد ذلك بقوله كل بدعة ضلالة والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه. انتهى.
فإذا تقرر هذا، فإن الدعوة إلى اتباع السنة ومنابذة البدعة يجب أن تتصف بالحكمة واللين في القول ورحمة المخالف كما هو ديدن أهل السنة يبينون الحق ويرحمون الخلق، وإذا خشي المرء على نفسه من هجر هؤلاء المبتدعة ضرراً يلحقه في نفسه أو معيشته فلا بأس بمداهنتهم ومجاملتهم في القول.
جاء في الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيراوني: والهجران الجائز هجران ذي بدعة أو متجاهر بالكبائر أي صاحب البدعة المحرمة كالخوارج وسائر فرق الضلال لأن مخالطتهم تؤدي إلى المشاركة... إلى أن قال: وبقي حكم ما إذا كان لا يستطيع هجرانه لخوفه منه، والحكم فيه أنه يجوز له مداهنته، فقد روي عن ابن عباس أنه كان يقول: إنا لنبش في وجوه قوم وإن قلوبنا لتلعنهم، يريد بهم الظلمة والفسقة الذين يتقى شرهم يبتسم في وجوههم ويشكرون بكلمات محقة، فإنه ما من أحد إلا وفيه صفة تشكر ولو كان أخبث الناس فيقال له ذلك اتقاء لشره. انتهى.
والله أعلم.