الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في حكم من تزوج مطلقته البائن في عدتها، ثمّ طلقها قبل الدخول؛ فذهب بعضهم إلى أنّ طلاقه رجعي، ولها المهر كاملا، وذهب بعضهم إلى أنّ الطلاق بائن، ولا رجعة للزوج فيه، ولها نصف المهر المسمى.
فقد جاء في الأصل لمحمد بن الحسن عن إبراهيم النخعي أنه قال: إذا طلق الرجل امرأته تطليقة بائنة، ثم تزوجها في عدتها، ثم طلقها قبل أن يدخل بها كان لها الميراث، والمهر كاملاً، وهو أملك برجعتها. وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف. وقالا: تستقبل العدة. وقال محمد: ليس له عليها رجعة، ولها نصف المهر، وتتم ما بقي من عدتها من الطلاق الأول. انتهى.
وجاء في الجامع لعلوم الإمام أحمد: قال عبد اللَّه: سألت أبي عن رجل بانت منه امرأته، ثم تزوجها في عدتها، ثم طلقها قبل أن يدخل بها؟ قال: لها نصف الصداق، وتكمل ما بقي من عدتها. انتهى.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: ولو خالع امرأته بعد الدخول، ثم تزوجها في عدتها، ثم طلقها قبل دخوله بها، فلها في النكاح الثاني نصف الصداق المسمى فيه. وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لها جميعه؛ لأن حكم الوطء موجود فيه، بدليل أنها لو أتت بولد لزمه. انتهى.
والذي نراه راجحا هو القول بأنّه طلاق بائن، وللمرأة نصف المهر، لأنّه طلاق قبل الدخول، والخلوة، فلم يكن فيه رجعة.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: ولنا قول الله -سبحانه-: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} [البقرة: 237]؛ ولأنه طلاق من نكاح لم يمسها فيه، فوجب أن يتنصف به المهر، كما لو تزوجها بعد العدة. انتهى.
والله أعلم.