الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإننا أولا نشكر السائل لحرصه على معرفة الحلال من الحرام في زمن قل فيه ذلك.
وأما عن إخصاء البهائم لأجل اللحم فقد اختلف الفقهاء في حكمه، فمنهم من أجازه مستدلا بقول عائشة رضي الله عنها: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين موجوءين. ومنهم من كرهه، ومنهم من فصل بين الصغير والكبير.
ومنهم من منعه مطلقا مستدلا بما رواه البزار، قال الشوكاني في "نيل الأوطار": إسناده صحيح من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صبر الروح وعن إخصاء البهائم نهيا شديدا.
وهذا نهي صريح صحيح في النهي.
وقد استدل بعض الصحابة والتابعين على عدم جواز إخصاء البهائم بقوله تعالى: [وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ] (النساء: 119).
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: قال ابن عباس: يعني بذلك خصي الدواب، وكذا روي عن ابن عمر وأنس وسعيد بن المسيب وعكرمة وأبي عياض وقتادة وأبي صالح والثوري، وقد ورد في حديث النهي عن ذلك. اهـ.
ولا شك أن القول بالمنع مطلقا هو الأحوط لا سيما أن الحديث السابق قد صحح مع عدم وضوح أدلة المجيزين في الموضوع. قال في "تحفة الأحوذي": وفي هذا الاستدلال نظر، يغني الاستدلال على جواز الخصاء بحديث عائشة كما لا يخفى على المتأمل، وقد يسطت الكلام في هذه المسألة في رسالتي "إرشاد الهائم إلى حكم إخصاء البهائم" اهـ.
وأما وسم الحيوان لتمييز بعضه عن بعض، فإن كان في الوجه فإنه يحرم، لما رواه مسلم وأحمد والترمذي وصححه عن جابر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضرب الوجه وعن وسم الوجه.
وفي لفظ: مُرَّ عليه بحمار قد وسم وجهه فقال: لعن الله من وسمه، وعن أبي داود: أما بلغكم أني لعنت من وسم البهيمة في وجهها أو ضربها في وجهها. قال في "المقنع": ويحرم وسم في الوجه، وأما إن كان الوسم في غير الوجه فهو جائز إذا كان لغرض صحيح.
قال النووي رحمه الله: يستحب أن يسم الغنم في آذانها والإبل والبقر في أصول أفخاذها لأنه موضع صلب فيقل الألم فيه ويخف شعره فيظهر الوسم، وفائدة الوسم تمييز الحيوان بعضه عن بعض.اهـ.
وقال في "كشاف القناع": ويجوز وسم البهيمة في غير الوجه لغرض صحيح.اهـ.
والله أعلم.