الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا مانع من إهداء ثواب الذكر لأبيك، فالراجح من أقوال أهل العلم أن ثواب العبادات البدنية كالقراءة والصلاة والصوم يجوز إهداؤه إلى الميت.
وهذا مذهب أحمد وأبي حنيفة، وطائفة من أصحاب مالك والشافعي.
قال ابن قدامة في المغني: أي قُرْبة فعلها الإنسان، وجعل ثوابها للميت؛ نفعه ذلك -إن شاء الله تعالى-، كالدعاء، والاستغفار، والصدقة، والواجبات التي تدخلها النيابة. اهـ.
وقال الرحيباني في مطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى، في الفقه الحنبلي: وكل قُرْبة فعلها مسلم وجعل ثوابها أو بعضه لمسلم حي أو ميت؛ جاز، ونفعه ذلك بحصول الثواب له (من): بيان لكل قربة (تطوع، وواجب تدخله نيابة كحج) أو صوم نذره ميت (أو لا) تدخله نيابة، (كصلاة ودعاء واستغفار وصدقة) وعتق (وأضحية وأداء دين وصوم) غير منذور، (وكذا قراءة وغيرها). انتهى.
وأما عن رغبته في حفر بئر ببلد ما فلا تعتبر وصية، ولو أنكم جعلتم له وقفا فهو من البِرِّ به، ويصله ثوابه إن شاء الله.
ففي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها-: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي افْتُلِتَت نفسها، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: «نعم».
قال النووي: وفي هذا الحديث أن الصدقة عن الميت تنفع الميت ويصله ثوابها، وهو كذلك بإجماع العلماء. اهـ.
واعلم أن من أفضل الصدقات عن الميت: سقي الماء؛ كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد روى الإمام أحمد وأصحاب السنن عن سعد بن عبادة -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله؛ إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال: نعم، قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء.
ومن أنواع الصدقة الجارية والأعمال الفاضلة جعل وقف يصرف ريعه على تعليم القرآن والعلوم الشرعية.
ومن الصدقة الجارية بناء المساجد لمن يحتاج إليها من المسلمين.
فقد روى الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من بنى مسجدا لله ولو كمفحص قطاة أو أصغر؛ بنى الله له بيتا في الجنة. قال الشيخ الألباني: صحيح.
والله أعلم.