الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا شك أن الأولى بالإمام أن يحرص على الزينة ولبس الثوب المحمود عند الناس، ولا حرج عليه في الإمامة بقميص قصير الكم، فإن الصلاة بثوب يستر العاتقين صحيحة، ولا يضر الكشف عن ذراعيه، وإنما المنهي عنه أن يصلي كاشفا عن عاتقيه، ويدل لذلك ما في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال: النبي صلى الله عليه وسلم: لاَ يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ.
وفي الصحيحين عَنْ سَعِيدِ بْنِ الحَارِثِ، قَالَ: سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ، فَقَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَجِئْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ أَمْرِي، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، وَعَلَيَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، فَاشْتَمَلْتُ بِهِ وَصَلَّيْتُ إِلَى جَانِبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: مَا السُّرَى يَا جَابِرُ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِحَاجَتِي، فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ: مَا هَذَا الِاشْتِمَالُ الَّذِي رَأَيْتُ؟ قُلْتُ: كَانَ ثَوْبٌ - يَعْنِي ضَاقَ - قَالَ: فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ.
وفي المسند عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أنه كان يقول: إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلرَّجُلِ إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَلْيَأْتَزِرْ بِهِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ، فَإِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَقُولُ ذَلِكَ، وَيَقُولُ: لَا تَلْتَحِفُوا بِالثَّوْبِ إِذَا كَانَ وَحْدَهُ كَمَا تَفْعَلُ الْيَهُودُ، قَالَ نَافِعٌ: وَلَوْ قُلْتُ لَكُ: إِنَّهُ أَسْنَدَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَرَجَوْتُ أَنْ لَا أَكُونَ كَذَبْتُ. والحديث صححه الألباني.
ويرى الجمهور صحة صلاة من كشف عن عاتقيه، خلافا لأحمد في المشهور عنه، وله قول يوافق مذهب الجمهور، قال النووي -رحمه الله تعالى- في شرحه لحديث أبي هريرة المتقدم: قال: مالك، وأبوحنيفة، والشافعي -رحمهم الله تعالى- والجمهور: هذا النهي للتنزيه لا التحريم، فلو صلى في ثوب واحد ساتر لعورته، ليس على عاتقه منه شيء صحت صلاته مع الكراهة، سواء قدر على شيء يجعله على عاتقه أم لا؟ وقال أحمد وبعض السلف رحمهم الله: لا تصح صلاته إذا قدر على وضع شيء على عاتقه إلا بوضعه، لظاهر الحديث، وعن أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- رواية أنه تصح صلاته، ولكن يأثم بتركه، وحجة الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر رضي الله عنه: فإن كان واسعاً فالتحف به، وإن كان ضيقاً فأتزر به ـ رواه البخاري، ومسلم... اهـ.
والله أعلم.