الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الفصل في قضايا المنازعات محلُّهُ المحاكمُ الشرعية، أو من ينوب منابها، وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع، وإدراك حقيقة الدعاوي والبينات والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك.
وأما المفتي فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوره للمسألة إلا بحسب ما تُتِيْحُه طريقةُ الاستفتاء، ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا، وما سنذكره هنا إنما هو على سبيل العموم والإرشاد والتوجيه. فنقول:
إن كل من له حق ثابت على الميت - من قرض أو غيره - لم يسقطه عنه، فإنه يجوز له المطالبة به أمام القضاء.
وأما إذا أسقط الدين فليس له الرجوع والمطالبة به، فالمقرر أن الساقط لا يعود.
كما سبق في الفتوى: 200950
وقول الشخص عن الميت إنه (مسامح له) ليس صريحا في الإخبار عن إسقاط الدين عن الميت في حياته، أو إسقاطه عن الورثة، فقد يقصد مسامحة الميت عن المماطلة في الوفاء بالدين مثلا.
ولصاحب الحق أن يحلف على حقه ما دام صادقا، وأما الحلف كذبا: فهي اليمين الغموس، وهي من أكبر الكبائر، ولا يحل للحالف ما أخذه بتلك اليمين، ولا ينفعه التكفير عن يمينه، بل لا بد من التوبة النصوح، ومن شروط التوبة: أن يرد الحق الذي أخذه بسبب تلك اليمين.
فحكم القاضي لا يحل حراما. ففي الصحيحين عن أم سلمة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله، فإنما أقطع له قطعة من النار، فلا يأخذها.
وانظر الفتويين: 153283 - 128684.
والله أعلم.