الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزواج في الأصل مندوب إليه، وهو من سنن المرسلين، ويشتمل على مصالح عظيمة؛ كالإعفاف، والسكن، وطلب الولد الصالح.
فدفع المهر الواجب للزوجة بعقد الزواج؛ وسيلة لهذه المقاصد؛ فيثاب المرء عليه بحسب نيته امتثال الشرع، وتحصيل هذه المقاصد.
وأمّا الحقوق المالية للمطلقة كنفقة العدة والمتعة؛ فإن نوى الرجل امتثال الشرع في أداء هذه الحقوق؛ فهو مثاب عليها.
وأمّا إذا لم ينو الامتثال؛ فقد برئت ذمته، ولا ثواب له، وذكر بعض أهل العلم احتمالا إذا نوى مجرد الأداء أن يثاب على ذلك.
فقد جاء في الفروق للقرافي: الفرق الخامس والستون بين قاعدة ما يثاب عليه من الواجبات، وبين قاعدة ما لا يثاب عليه منها وإن وقع ذلك واجبا: اعلم أن المأمورات قسمان: ما صورة فعله كافية في تحصيل مصلحته كأداء الديون، ورد الغصوب، ودفع الودائع، ونفقات الزوجات والأقارب والدواب ونحو ذلك.
صورة هذا الفعل تحصل مقصودة، وإن لم يحصل به التقرب. فإذا فعل ذلك من غير قصد ولا نية، وقع ذلك واجبا مجزئا، ولا يلزم فيه الإعادة، ولا ثواب فيه حتى ينوي به امتثال أمر الله -تعالى- فإن فعله غير قاصد امتثال أمر الله -تعالى- ولا عالم به، لم يحصل له ثواب، وإن سد الفعل مسده، ووقع واجبا. انتهى.
قال ابن الشاط في حاشيته: قلت: ما قاله في أداء الديون وشبهه، ومن أنه لا ثواب فيه حتى ينوي به امتثال أمر الله -تعالى- إن أراد أنه لا بد من استحضار نية الامتثال، ولا يكتفي بنية أداء الديون. ففي ذلك نظر، فإن الذي يؤدي دينه لا يخلو أن ينوي بأدائه امتثال أمر الله -تعالى- بذلك، أو لا. فإن نوى ذلك، فلا نزاع في الثواب، وإن لم ينو امتثال أمر الله -تعالى- فلا يخلو من أن ينوي سببا للأداء غير الامتثال كتخوفه أن لا يداينه أحد إذا عرف بالامتناع من الأداء وما أشبه ذلك، أو لا. فإن نوى بالأداء شيئا غير الامتثال، فلا نزاع أيضا في عدم الثواب.
وإن عرى عن نية الامتثال ونية سبب غيره، ولم ينو إلا مجرد أداء دينه. فلقائل أن يقول: لا يحرم صاحب هذه الحالة الثواب استدلالا بسعة بابه. والله أعلم. اهـ.
والله أعلم.