الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد شرح الإمام الوزير ابن هبيرة (صحيحي البخاري ومسلم) في كتاب سماه: (الإفصاح عن معاني الصحاح)، مستندًا إلى كتاب (الجمع بين الصحيحين) للحميدي، وعلى هذا؛ فإنَّ المتن الذي شُرح في الكتاب في الذروة من الصحة. وأما كتاب (الإفصاح) الذي هو شرح لهذا المتن؛ فلا يوصف بالصحة أو الضعف؛ لأنه كتاب شرح ودراية وليس كتاب نقل ورواية، نعم هو كتاب موثوق، وعالي الرتبة في العلم، وقد أثنى عليه الأئمة والحفاظ، وتظهر أهميته في كونه أول شرح للصحيحين معًا من عالم مشهود له بالعلم، والعقل، والورع.
وقد قال عنه الحافظ ابن رجب في كتابه (ذيل طبقات الحنابلة): ولما بلغ فيه إلى حديث (من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين)؛ شرح الحديث، وتكلم على معنى الفقه، وآل به الكلام إلى أن ذكر مسائل الفقه المتفق عليها، والمختلف فيها بين الأئمة الأربعة المشهورين. انتهى.
وقال الإمام ابن هبيرة في مقدمة كتابه (الإفصاح) منوِّهًا بعمله فيه: أما بعد: فإني كنت شديد العزم إلى رواية كتاب يشتمل على أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهود لها بالصحة من علماء الأحاديث، وأن نذكر فقه الحديث أيضًا في ذلك الكتاب، ولاسيما ما قد فرغ العلماء منه؛ كالطهارة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والبيوع، والرهن، والإجازة؛ وغير ذلك من أبواب الفقه التي يشير الناس إليها، مما استقرت فيه المذاهب، وانتهت إليه الأمور؛ بل فيما عدا ذلك؛ لأنه قد تشتمل الأحاديث على الأمور المهمة والشؤون اللازمة في الدين، وفيما يرجع إلى العبادات والإخلاص فيها والآداب لها، وغير ذلك من أعمال الآخرة وتزكية النفوس؛ فجعلت أتتبع الكتاب المسطورة في هذا، وأرى كلاً من العلماء قد أتى بغرض قصده وأوفض إليه، إلا أنه لم أجد في ذلك كتابًا حاويًا لما كانت تتطلع إليه نفسي، حتى أُتيت بكتاب (التمهيد) لابن عبد البر الأندلسي رحمه الله؛ فرأيت كتابًا نفيسًا، إلا أنه اقتصر فيه على الأحاديث المروية في الموطأ عن مالك رضي الله عنه، على أنه في بعض الأماكن لم يستقص كل ما في نفسي، وفي بعض الأماكن أفرط شيئًا وأكثر على شرح خلاف الفقهاء المفروغ منه ثم إني رأيت إجماع المسلمين على الكتابين الصحيحين اللذين انتدب لتخريجهما الإمامان الكبيران: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، وأن الأمة تلقت ذلك بالقبول، وأنه لا كتاب في الحديث على الإطلاق يفضل عليهما، فرأيت أن أجعلهما مستندًا لما أقصده مما ذكرته. وكان قد انتدب أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي رحمه الله، للجمع بين هذين الكتابين في كتاب سماه (الجمع بين الصحيحين) أحسن في تأليفه، ورتبه على أسماء الرجال ... إلخ. انتهى.
والله أعلم.