الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دام المرء يتجنب ما يراه حراما، فليس عليه حرج من عمل غيره، وغاية ما يطلب منه أن يبذل النصيحة لمن يخالف، فإن قبل ـ فالحمد لله ـ وإلا فقد أدى ما عليه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ {المائدة: 105}.
قال ابن كثير في تفسيره: من أصلح أمره، لا يضره فساد من فسد من الناس، سواء كان قريبا منه، أو بعيدا، قال العوفي: عن ابن عباس عند تفسير هذه الآية: يقول تعالى: إذا ما العبد أطاعني فيما أمرته به من الحلال، والحرام، فلا يضره من ضل بعده، إذا عمل بما أمرته به. اهـ.
وقال الزجاج في معاني القرآن، وإعرابه: معناه إِنما ألزمكم اللَّه أمرَ أنْفُسكُمْ: لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ـ أي لا يُؤاخذكم اللَّه بذنوب غيركم، وليس يُوجبُ لفظُ هذه الآيةِ ترك الأمْرِ بالمعروف، والنهيِ عَن المنكر... فإذا تَركَ المؤْمنُ الأمرَ بالْمَعروفِ، وهو مستطيع ذلك، فهو ضَال، وليس بِمُهْتَدِ. اهـ.
والمقصود أن المرء لا يطالب في حق غيره إلا ببيان الحق، وبذل النصح، ثم لا يسأل بعد ذلك إلا عن عمل نفسه، قال تعالى: مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الإسراء:15}.
وقال سبحانه: كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ {الطور:21}.
وقال عز وجل: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ {المدثر:38}.
وهنا ننبه على أن راتب العمل المباح في ذاته مباح، حتى ولو استعمل فيه العامل برنامجا منسوخا، وانظري الفتوى: 46975.
والله أعلم.