الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن أهل العلم اختلفوا في حكاية الأذان إذا تعدد المؤذنون، فمنهم من قال: يكتفي بحكاية الأذان الأول؛ لأنه بذلك امتثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحكاية الأذان، كما في الصحيحين من قوله: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، وقالوا: إن الأمر لا يقتضي التكرار، ومنهم من قال: يجيب النداء الأول والثاني، وأكثر، لعموم الحديث، ولأنه ذكر يثاب عليه.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في (الشرح الممتع على زاد المستقنع) عند قول المؤلف يسن لسامعه حكايته سرًا قال: وهذا يشمل النداء الأول والثاني، يحيث لو كان المؤذنون يختلفون فنقول يجيب الأول ويجيب الثاني لعموم الحديث، ثم هو ذكر يثاب الإنسان عليه.
وقال شيخ الإسلام في الاختيارات ص39: ويجيب ثانيًا وأكثر.
وقال الشيخ محمد عليش في فتح الجليل على شرح مختصر خليل عند قول المؤلف وحكايته لسامعه ما نصه: وإذا أذن جماعة واحد عقب واحد فاختار اللخمي تكرير الحكاية وقيل يكفيه حكاية الأول.
والذي يترجح لدينا هو أن السامع عليه أن يحكي الأذان إذا سمعه، سواء كان ثانيًا وأكثر، فإن أذن المؤذنون دفعة واحدة فيكتفي بحكاية واحدة، إذ لا يستطيع غير ذلك، مع العلم أن حكاية الأذان سنة من فعلها أجر عليها ومن تركها لم يأثم.
وبالنسبة للسؤال الثاني فإن أهل العلم قرروا أن العبادة توقيفية فلا يعبد الله إلا بما شرع في كتابه أو على لسان رسوله، فكل أمر مما يتعبد به لم يرد به نص من الشرع، ففعله والتقرب إلى الله به من البدع لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. رواه مسلم.
قال الشاطبي في الاعتصام معرفًا للبدعة: فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه وتعالى، ثم قال في بيان هذا التعريف قوله في الحد تضاهي الشرعية يعني أنها تشابه الطريقة الشرعية من غير أن تكون في الحقيقة كذلك. انتهى كلام الشاطبي.
ومن ضوابط البدع عند العلماء قولهم: كل عمل لم يعمله النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود المقتضي وعدم المانع من فعله، ففعله الآن بدعة، وهذا يخرج صلاة التراويح وجمع القرآن لأنه لم يستمر في صلاة التراويح خشية أن تفرض، وأما جمع القرآن فلم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم لعدم وجود المقتضي لذلك، فلما كثر الناس واتسعت الفتوح وخاف الصحابة من ذهاب القرآن جمعوه. أما قاعدة الخشب فليست داخلة في معنى البدعة، إذ لم يقصد بوضعها التعبد وإنما هي وسيلة لتهيئة المصحف، فلا حرج فيها إذا، لأن "الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل دليل على تحريمها، كما أن الأصل في الأشياء التي ينتفع بها الحل، وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 631.
والله أعلم.