الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد سبق وأن بينا أنه يحرم على المرأة أن تبتسم في وجه الرجل الأجنبي؛ لأن ذلك مظنة الفتنة، ويمكن مراجعة الفتوى: 192429.
وإذا كان مظنة للفتنة، وجب على المرأة اجتنابه، ولا تلتفت إلى كون ذلك سيؤدي إلى نفور الناس عنها، واعتقاد أنها متكبرة. فهي لم تفعل إلا ما هو مطلوب منها، وإذا نفر الناس عنها، فابتعاد الأجنبي عنها هو المطلوب، فمقصود الشرع أن يكون التعامل بأدب مانعا من إغراء صاحب القلب المريض بها، كما قال -تعالى- في شأن المحادثة: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا {الأحزاب:32}.
قال ابن كثير في تفسيره: ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم، أي: لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها. اهـ.
وكما قال في شأن الحجاب: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب:59}.
قال الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان: لأن إدناءهن عليهن من جلابيبهن يشعر بأنهن حرائر، فهو أدنى وأقرب لأن يعرفن، أي: يعلم أنهن حرائر، فلا يؤذين من قبل الفساق الذين يتعرّضون للإماء. اهـ.
وإذا اعتقد أحد من الأجانب أن من لا تبتسم في وجهه من النساء متكبرة، فذلك أمر يعنيه، ولا يعنيها هي، وقد يحاسب على مثل هذا الظن السيئ الذي نهى الله عنه وحرمه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات:12}.
ومما يجدر التنبيه عليه هو أن عدم التبسم لا يعني بالضرورة أن تتجهم في وجه من يحادثها، أو أن تقابله بوجه عبوس، ولكن المقصود أن تلتزم معه الأدب، وتجتنب ما قد يدعو للفتنة، وهذا مقصد أصيل من مقاصد الشرع للحفاظ على المجتمع المسلم طاهرا معافى.
والله أعلم.