الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فباطن الأنف ليس من الوجه على الصحيح، وإن كان بعض العلماء يرى وجوب غسله، وأنه من الوجه، قال المازري -المالكي- في التلقين: اختلف الناس في المضمضة والاستنشاق في الوضوء: فمن الناس من أوجبهما؛ لأنه رآهما من الوجه، وقد أمر الله تعالى بغسل الوجه، وهما جزءان منه؛ فوجب أن يغسلا معه.
ومن الناس من لم يوجبهما؛ لأن المواجهة لا تقع بهما، وإذ لم تقع بهما؛ لم يكونا من الوجه، وإذا لم يكونا منه؛ لم يجب غسلهما؛ لقوله عليه السلام: "توضأ كما أمرك الله"، وليس هما مذكوران فيما أمر الله به في القرآن.
ومن الناس من أوجب الاستنشاق دون المضمضة؛ لأن باطن الأنف يواجه دائمًا، بخلاف باطن الفم.
ومن أسقط وجوبهما، وهو مذهب أصحابنا؛ فإن غسلهما عنده سنة، وهو المشهور من مذهبنا. انتهى.
ومهما يكن من أمر؛ فإن الاستنشاق -وهو: جذب الماء بالنَفس إلى أقصى الأنف؛ تنظيفًا لداخله- تطلب المبالغة فيه، لغير الصائم.
ودليل مشروعيته: ما رواه أبو داود، والترمذي من حديث لقيط بن صبرة، قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء؟ قال: أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائمًا.
وقد استحبّ بعض أهل العلم تعاهده بالتنظيف بإدخال الأصبع، ونحوه؛ لإزالة ما بداخله، جاء في حاشية العدوي -المالكي- على شرح الخرشي -متحدثًا عن الاستنثار-: واستحب بعضهم أن يدخل إصبعه المذكور في الأنف؛ ليزيل ما به من المخاط، والوسخ. انتهى.
ولو لم يزل المتوضأ أثر المخاط، أو الوسخ من أنفه؛ فوضوؤه صحيح، على الراجح، كما بينا في الفتوى: 452464
والله أعلم.