الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالخطبة وعد بالزواج، لا تبيح للخاطب شيئاً سوى النظر إلى المخطوبة، حتى يحصل القبول أو عدمه. وما لم يتمّ العقد الشرعي فالخاطب أجنبي من المخطوبة، شأنه معها شأن الرجال الأجانب ولو طالت فترة الخطبة.
وزيارة الخاطب للمخطوبة في بيتها من غير خلوة، وكلامه معها أو اتصاله بها بالهاتف ونحوه؛ جائز عند الحاجة وانتفاء الريبة. أمّا الكلام بغير حاجة معتبرة؛ فهو غير جائز؛ لأنّه باب فتنة.
قال الخادمي -رحمه الله- في كتابه: بريقة محمودية: التكلم مع الشابة الأجنبية لا يجوز بلا حاجة؛ لأنه مظنة الفتنة. انتهى.
وإذا علمت أنّ المخطوبة أجنبية، ففي وجوب ستر وجهها عنك؛ خلاف مشهور بين أهل العلم، والمفتى به عندنا الوجوب، فلا يحلّ لها كشف وجهها أمامك، وانظر التفصيل في الفتوى: 50794.
وعلى القول بجواز كشف الوجه؛ ففي إباحة نظرك إليها -بغير شهوة- خلاف بين أهل العلم.
ففي المذهب الحنفي. جاء في بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: فلا يحل النظر للأجنبي من الأجنبية الحرة إلى سائر بدنها إلا الوجه والكفين؛ لقوله تبارك وتعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} [النور: 30].
إلا أن النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة وهي الوجه والكفان رخص، بقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} [النور: 31]. والمراد من الزينة مواضعها. انتهى.
وفي المذهب المالكي. جاء في الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي: قوله: غير الوجه والكفين. أي وأما هما فغير عورة، يجوز النظر إليهما. ولا فرق بين ظاهر الكفين وباطنهما بشرط أن لا يخشى بالنظر لذلك فتنة، وأن يكون النظر بغير قصد لذة، وإلا حرم النظر لهما. انتهى.
وفي المذهب الشافعي. جاء في روضة الطالبين وعمدة المفتين: الضرب الأول: نظر الرجل إلى المرأة: فيحرم نظره إلى عورتها مطلقا، وإلى وجهها وكفيها إن خاف فتنة. وإن لم يخف، فوجهان، قال أكثر الأصحاب لا سيما المتقدمون: لا يحرم، لقول الله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها)[الأحزاب: 31]. وهو مفسر بالوجه والكفين، لكن يكره، قاله الشيخ أبو حامد وغيره. والثاني: يحرم، قاله الاصطخري وأبو علي الطبري، واختاره الشيخ أبو محمد، والإمام، وبه قطع صاحب (المهذب) والروياني. انتهى.
وفي المذهب الحنبلي. جاء في الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي: وأكثر الأصحاب: أنه لا يجوز للرجل النظر إلى غير من تقدم ذكره. فلا يجوز له النظر إلى الأجنبية قصدا. وهو صحيح. وهو المذهب. وجوز جماعة من الأصحاب: نظر الرجل من الحرة الأجنبية إلى ما ليس بعورة صلاة. وجزم به في المستوعب في آدابه، وذكره الشيخ تقي الدين رواية. انتهى.
واعلم أنّ التعرّف على المخطوبة لا يكون بكثرة الزيارات، والاسترسال في الكلام والنظر، ولكن يكون بسؤال الثقات من الأقارب والزملاء والجيران، وراجع الفتوى: 418495
والله أعلم.