الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل وجوب طاعة الوالد بإجابته عما يسأل عنه، ولكن إن خيف عليه زيادة المرض -كما ذكر في السؤال- فإنه لا حرج في عدم إخباره بحقيقة مرضه، ولا شك أن الإنسان بطبعه يتأثر نفسيا إذا أصابه الشر فتجده يجزع وييأس ويقنط، كما قال الله تعالى: وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَـُٔوساً. [الإسراء: 83-84]، واليؤوس: شديد اليأس، وكما قال تعالى: وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَـُٔوسٌ قَنُوطٌ. [فصلت: 49]، وكما قال تعالى: إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً. [المعارج: 19-20].
فربما كان إخباره بقرب الموت مدعاةً لزيادة الجزع واليأس والقنوط، فكان من الحكمة كتمانه عنه، والمطلوب شرعا التخفيف عن المريض وتطييب نفسه، لا غَمُّه بمثل هذا الخبر. وقد جاء عند الترمذي وابن ماجه بسند ضعيف: إِذَا دَخَلْتُمْ عَلَى المَرِيضِ فَنَفِّسُوا لَهُ فِي أَجَلِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَيُطَيِّبُ نَفْسَهُ.
قال النووي في «الأذكار» في «باب استحباب تَطْييبِ نفس المريضِ» بعد ذكره للحديث السابق: ويغني عنه حديث ابن عباس السابق في باب ما يُقال للمريض: " لا بأسَ، طَهُورٌ إنْ شاء الله".اهــ.
وعند البيهقي في الشعب بسند ضعيف -أيضا-: إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَرِيضٍ فَلْيُصَافِحْهُ، وَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، وَلْيَسْأَلْهُ كَيْفَ هُوَ، وَلْيُنْسِئْ لَهُ فِي الْأَجَلِ. اهــ.
قال ابن مفلح -الحنبلي- في «الآداب الشرعية والمنح المرعية» عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع المريض: كَانَ يَتَلَطَّف بِالْمَرِيضِ فَتَارَةً يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: لَا بَأْسَ، طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَتَارَةً تَوَضَّأُ وَصَبَّ عَلَيْهِ وُضُوءَهُ، وَتَارَةً يَسْأَلُهُ عَنْ حَالِهِ وَعَمَّا يَشْتَهِيهِ، وَيُعَلِّمُهُ دُعَاءً يُوَافِقُهُ. اهــ.
وأما ما يرجى من وصيته واستغفاره واستعداده للموت، وتقربه إلى الله -تعالى- بالأعمال الصالحة. فيمكن تحقيقه بغير إخباره بالمرض، فيمكن أن ينبه، بل يحث على كتابة وصيته وعلى فضل التقرب إلى الله بأعمال الخير والمسارعة في ذلك، وبوجوب قضاء الديون وأداء الحقوق إلى أهلها والترهيب من ترك ذلك. وهذه الأمور كلها مطلوبة أصلا من الشخص الذي هو في كمال صحته وعافيته، فضلا عمن به أدنى مرض، وراجع الفتوى: 129578.
والله أعلم.