الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا إشكال في بيع التمر ونحوه، مما في جوفه نوى أو بذر، وليس في ذلك غرر مؤثر، ولم يقل أحد باشتراط نزع النوى عن التمر لإباحة بيعه.
وأما مسألة بيع الحيوان الحي وزنا - والتي تكلمنا عنها في الفتوى: 334726. -فلا علاقة لها ببيع التمر ونحوه بالوزن.
وحتى يزول عنك الإشكال في مسألة الغرر: ينبغي أن تعلم أن الغرر اليسير التابع مغتفر في الجملة بإجماع العلماء.
قال القرافي: الغرر والجهالة ثلاثة أقسام: كثير ممتنع إجماعا, كالطير في الهواء, وقليل جائز إجماعا, كأساس الدار وقطن الجبة, ومتوسط اختلف فيه, هل يلحق بالأول أم بالثاني؟ اهـ. من الفروق ( أنوار البروق في أنواء الفروق).
قال النووي: أجمع المسلمون على جواز أشياء فيها غرر حقير، منها أنهم أجمعوا على صحة بيع الجبة المحشوة، وإن لم ير حشوها، ولو بيع حشوها بانفراده لم يجز، وأجمعوا على جواز إجارة الدار، والدابة، والثوب، ونحو ذلك شهرا، مع أن الشهر قد يكون ثلاثين يوما، وقد يكون تسعة وعشرين، وأجمعوا على جواز دخول الحمام بالأجرة مع اختلاف الناس في استعمالهم الماء، وفي قدر مكثهم، وأجمعوا على جواز الشرب من السقاء بالعوض مع جهالة قدر المشروب، واختلاف عادة الشاربين، وعكس هذا، وأجمعوا على بطلان بيع الأجنة في البطون، والطير في الهواء. قال العلماء: مدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع وجوده على ما ذكرناه، وهو أنه إن دعت حاجة إلى ارتكاب الغرر، ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة، وكان الغرر حقيرا؛ جاز البيع، وإلا؛ فلا. اهـ. من شرح صحيح مسلم.
فأصل اغتفار الجهالة اليسيرة؛ لا إشكال فيه، بل إنه لا يكاد يخلو عقد أصلا من جهالة يسيرة.
قال الباجي -في بيان معنى الغرر-: ما كثر فيه الغرر، وغلب عليه، حتى صار البيع يوصف ببيع الغرر، وأما يسير الغرر؛ فإنه لا يؤثر في فساد عقد بيع، فإنه لا يكاد يخلو عقد منه. اهـ. باختصار من المنتقى.
وأما مسألة بيع المكيل الربوي بجنس وزنا؛ فهذه مسألة أخرى، لا علاقة لها بمسألة الغرر، راجع أقوال العلماء حولها في الفتويين: 401587 - 234115.
والله أعلم.