الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرسم التوضيحي الذي يراد منه تقريب المعاني الشرعية، لا حرج فيه في الأصل، فقد رسم النبي صلى الله عليه وسلم خطوطا مربعة ومستقيمة، مبينا بها بعض المعاني الشرعية، كما في مستدرك الحاكم وسنن النسائي الكبرى ومسند أحمد عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا خَطًّا، وَخَطَّهُ لَنَا عَاصِمٌ، فَقَالَ: «هَذَا سَبِيلُ اللهِ» ثُمَّ خَطَّ عَنْ يَمِينِ الْخَطِّ وَعَنْ شِمَالِهِ، فَقَالَ: «هَذَا السَّبِيلُ، وَهَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ» ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} [الأنعام: 153] لِلْخَطِّ الْأَوَّلِ، {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام: 153] لِلْخُطُوطِ. {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] ذَلِكُمْ {وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153].
وفي سنن الترمذي عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا مُرَبَّعًا، وَخَطَّ فِي وَسَطِ الخَطِّ خَطًّا، وَخَطَّ خَارِجًا مِنَ الخَطِّ خَطًّا، وَحَوْلَ الَّذِي فِي الوَسَطِ خُطُوطًا، فَقَالَ: «هَذَا ابْنُ آدَمَ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ، وَهَذَا الَّذِي فِي الوَسَطِ الإِنْسَانُ، وَهَذِهِ الخُطُوطُ عُرُوضُهُ إِنْ نَجَا مِنْ هَذَا يَنْهَشُهُ هَذَا، وَالخَطُّ الخَارِجُ الأَمَلُ». اهــ.
ولكن يبقى النظر في رسم ذوات الأرواح لتوضيح تلك المعاني، وقد بينا في فتاوى سابقة أن رسم ذوات الأرواح محرم في الأصل؛ لحديث: إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ. متفق عليه.
وبينا أن أهل العلم استثنوا من ذلك الصورة الناقصة التي حُذِفَ منها ما لا تبقى الحياة بدونه، والصور غير الواضحة بحيث من يراها لا يمكنه تمييز ملامحها، أو لا توجد فيها ملامح أصلا، فإن كانت تلك الصور من قبيل ما استثني فهي جائزة، لا حرج فيها إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.