الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنقول ابتداء: إن كنت تسأل عن حكم صلاتك قاعدًا مع عدم تحققك من العجز عن القيام، فصليت، ثم بان لك أنك كنت قادرًا على القيام، فالأحوط والأبرأ للذمة أن تعيد تلك الصلوات، إذا تبين لك أنك أخطأت في ظنك، وأنك لست معذورًا في الصلاة قاعدًا؛ فقد ذكر الفقهاء مسائل ظنّ فيها المصلي عدم قدرته على الركن أو الشرط، ثم تبين له أنه قادر، ذكروا أنه ينبغي له الإعادة.
ومن ذلك: أن من صلى صلاة الخوف في أول الوقت غير مستقبل القبلة ظنًّا منه أنه لن يأمن، ثم أمن في الوقت، وبان خطأ ظنه، ذكروا أنه ينبغي له الإعادة، جاء في حاشية الجمل على شرح المنهج: لَوْ صَلَّى أَوَّلَهُ لِانْقِطَاعِ رَجَائِهِ ظَنًّا، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ أَمِنَ، فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ ظَنَّ ظَنًّا فَتَبَيَّنَ خَطَؤُهُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي وُجُوبُ الْإِعَادَةِ. اهــ.
وفي المغني لابن قدامة: ومَنْ كان خَوْفُهُ لِسَبَبٍ ظَنَّهُ، فَتَبَيَّنَ عَدَمُ السَّبَبِ، مِثْل مَنْ رَأَى سَوَادًا باللَّيْلِ ظَنَّهُ عَدُوًّا، فَتَبَيَّنَ له أنَّه ليس بِعَدُوٍّ، أو رَأَى كَلْبًا فَظَنَّهُ أَسَدًا أو نَمِرًا، فَتَيَمَّمَ وصَلَّى، ثم بانَ خِلَافُه، فهل يَلْزَمُهُ الإِعَادَةُ؟ على وَجْهَيْنِ: أحدهما: لا يَلْزَمُهُ الإِعادُة؛ لأنَّه أَتَى بما أُمِرَ به، فَخَرَجَ عن عُهْدَتِه، والثاني: يَلْزَمُه الإِعادةُ؛ لأنَّه تَيَمَّمَ مِنْ غيرِ سَبَبٍ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، فأَشْبَهَ مَنْ نَسِيَ الماءَ في رَحْلِه، وتَيَمَّمَ. اهــ.
ولكن نحن فهمنا من سؤالك أنك -وإن ظهر لك أنك كنت قادرًا على القيام- إلا أن صلاتك قائمًا ستكون سببًا في تأخر البُرء، فإن كان هذا هو الواقع، فإنه يترجّح الوجه الأول في عدم الإعادة؛ لأن لك سببًا في أداء الصلاة قاعدًا -وهو تأخّر البُرء-، ولا يضرّ كونك أخطأت في تعيين هذا السبب.
والله أعلم.