الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما الدعوة الأولى: فاعلم أن نجيا في الآية الكريمة: وقربناه نجيا حال من الضمير في ناديناه أو قربناه؛ كما قال الألوسي، فهو حال من المفعول به أي قربناه حال كونه مناجيا لنا، وفي معنى تقريبه نجيا أوجه.
قال أبو حيان في البحر: وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا قَالَ الْجُمْهُورُ: تَقْرِيبُ التَّشْرِيفِ وَالْكَلَامِ وَالْيَوْمِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَدْنَى مُوسَى مِنَ الْمَلَكُوتِ، وَرُفِعَتْ لَهُ الْحُجُبُ حَتَّى سَمِعَ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ، وَقَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ وَمَيْسَرَةُ. وَقَالَ سعيد: أردفه جبريل على السَّلَامُ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: شَبَّهَهُ بِمَنْ قَرَّبَهُ بَعْضُ الْعُظَمَاءِ لِلْمُنَاجَاةِ حَيْثُ كَلَّمَهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةِ مَلَكٍ. انْتَهَى. وَنَجِيٌّ: فَعِيلٌ مِنَ الْمُنَاجَاةِ بِمَعْنَى مُنَاجٍ كَالْجَلِيسِ، وَهُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْمُنَاجَاةِ وَهِيَ الْمُسَارَّةُ بِالْقَوْلِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَعْنَى نَجَّاهُ صدقه. انتهى
ولا يخفى أن بعض هذه الوجوه خاص بموسى -عليه السلام- فلا يجوز الدعاء بهذا الدعاء على المعنى المختص به عليه السلام.
وأما الدعاء به على الوجه الذي لا يختص بموسى من تلك المعاني جائز لا حرج فيه؛ فيما يظهر.
وأما الدعاء الثاني: فلا حرج فيه بالمعنى المذكور، وكذا الدعاء الثالث لا إشكال فيه بوجه.
وأما طلب الوحي إلى غير الأنبياء، وهو ما تضمنه الدعاء الرابع، فإن كان باعتبار معنى الإلهام أو الإلقاء في الرُّوع لم يمنع.
وعلى كل حال؛ فالقاعدة أن اجتناب الألفاظ الموهمة أولى وأحسن، والدعاء كلما كان بالمأثور عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وما شابهه كان أسلم وأحمد عاقبة.
والله أعلم.