الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأب الذي يمتنع من الإنفاق على أولاده المستحقين للنفقة؛ ظالم لهم، ومرتكب للإثم المبين؛ ففي سنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت. وفي صحيح مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ.
وإذا كان الأب يسب أولاده وأمّهم دون حقّ، ويقطع أولاده، ولا يسأل عنهم؛ فهو ظالم لهم، وهم معذورون في بغضهم له بسبب ظلمه، لكن الواجب ألا يحملهم البغض على العقوق والتقصير في حقّه؛ فضلاً عن قطعه بالكلية، وترك السؤال عنه.
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: نعم الأمر كما قالت السائلة أن الإنسان لا يملك الحب أو البغض، فهو أمر يضعه الله تعالى في القلب، لكن الإنسان يجب عليه ألا يتأثر بهذا الحب إلا بمقدار الحكم الشرعي. انتهى.
فمهما كان حال الأب وظلمه لأولاده، أو تقصيره في حقّهم؛ فكل ذلك لا يسقط حقّه عليهم في البر، والمصاحبة بالمعروف، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين اللذين يأمران ولدهما بالشرك، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15}.
واعلم أنّ بر الوالدين من أفضل الأعمال التي يحبها الله، والصبر على ذلك من أعظم أسباب رضوان الله، ونيل معيته وتوفيقه.
ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قَالَ: رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرب في سخط الوالد. وعن أبي الدرداء أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب، أو احفظه. رواه ابن ماجه والترمذي.
قال المباركفوري –رحمه الله- في تحفة الأحوذي: قَالَ الْقَاضِي: أَيْ خَيْرُ الْأَبْوَابِ وَأَعْلَاهَا، وَالْمَعْنَى أَنَّ أَحْسَنَ مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَيُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى وُصُولِ دَرَجَتِهَا الْعَالِيَةِ، مُطَاوَعَةُ الْوَالِدِ، وَمُرَاعَاةُ جَانِبِهِ. انتهى.
والله أعلم.