الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأسلوب دعوة غير المسلمين يختلف بحسب أنواعهم، فليست دعوة الملحد الذي لا يؤمن بخالق أصلا، كدعوة الذي يؤمن بالله الخالق، ولكنه يشرك به، وكلاهما يختلف عن دعوة من يؤمن بإله وضعي يعبده من دون الله!
فالأمر يحتاج علم بحال المدعو على أية حال، فهذا يمهد طريق دعوته، وهذا يتضح في إسلام عدي بن حاتم -رضي الله عنه-، فقد دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له: يا عدي بن حاتم أسلم تسلم ـ ثلاثا ـ قال: قلت: إني على دين. قال: أنا أعلم بدينك منك. فقلت: أنت أعلم بديني مني؟! قال: نعم، ألست من الركوسية، وأنت تأكل مرباع قومك؟ قلت: بلى. قال: فإن هذا لا يحل لك في دينك. قال: فلم يعد أن قالها فتواضعت لها. رواه أحمد وغيره.
وأما الخطوط العامة لدعوة غير المسلمين، فيمكن مراجعتها في الفتاوى: 21363، 196301، 188139.
وأما السؤال الثاني، فالمجوس بالفعل يبيحون نكاح الأخوين، وتبعهم على ذلك جماعات من الزنادقة الباطنية. وأما الملل والشرائع السماوية فلا يجوز فيها ذلك، وانظري الفتوى: 70096.
ومن فعل ذلك من المجوس، ثم أراد أن يسلم، فلا يؤاخذ بما قد مضى، ولكن يجب عليه تركه بعد الإسلام، كما يدل عليه قوله تعالى: وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا [النساء: 22].
فمع كونه فاحشة، ومقتا، وساء سبيلا، إلا أن الله تعالى تجاوز عن إثم ما كان منه قبل الإسلام، وأما بعد الإسلام فيجب تركه والإقلاع عنه. وكذلك قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ... وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا {النساء:23}.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: {إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ} استثناء منقطع، معناه لكن ما قد سلف من ذلك ووقع وأزاله الإسلام فإن الله يغفره، والإسلام يجبّه. اهـ.
وإبطال هذا النكاح بعد الإسلام محل اتفاق بين أهل العلم. جاء في موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي: يُقَرُّ الكفّار على أنكحتهم التي يعتقدون صحتها حال كفرهم، فإذا تحاكموا إلينا أو أسلموا، نظر في أنكحتهم، فما وافق الإسلام أُقِروا عليه، وما خالفه أُبطل، فإذا تزوج المجوسي أو غيره من الكفّار أُمَّه أو ابنته حال كفره ثم أسلم، أو جمع بين أُمًّا وابنتها، أو جمع بين أختين ونحو ذلك، فإنه يفرق بينهما، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. اهـ. وذكر منهم: ابن المنذر والكاساني وابن القيم وابن الهمام وابن نجيم.
ومع فسخ هذا النكاح الباطل، فإن نسب الأولاد الذين ولدوا به، يثبت لهم، كسائر أنكحة الشبهة.
قال الواحدي في المستوعب: ولا خلاف بين العلماء أنه إذا كان بين المجوس قرابتان إحداهما تسقط الأخرى؛ كبنت هي بنت بنت، أو أب هو أخ لأم، أو بنت هي أخت لأم، أو ابن هو ابن ابن؛ أنه لا يرث إلا بالقرابة المسقطة دون الأخرى. وجميع ما يحدث في الإسلام من الأنساب بوطء ذوات المحارم بشبهة؛ كرجل يشتري أمه أو يتزوج امرأة فيطأها، أو يطأ أجنبية يظنها زوجته فيولد له منهن أولاد فيتبين أنهن ذوات محارمه، فإن النسب يلحقه، والحد يسقط والحكم في ميراثهم كالحكم في ميراث المجوسي على ما ذكرنا. اهـ.
وأما كون هذه المرأة ترفض الانفصال، وفسخ نكاحها من أخيها إذا أسلمت، وتقول: (إنها لن تدخل إذا كان سيفرق بينهم)! فهذا شأنها، وهي من تتحمل عواقب ذلك في آخرتها، وأما حكم الإسلام، وكل الملل، والشرائع السماوية، فواضح في إبطال هذا النكاح.
والأفضل لها أن تسلم حتى لو أقامت على زواجها من أخيها، فإن ذلك كبيرة من الكبائر لا يخلد صاحبها في النار إذا كان مؤمنا، بخلاف الكفر، فإنه لا رجاء لصاحبه في رحمة الله، كما قال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ [المائدة: 72]، وقال عز وجل: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [العنكبوت: 23]، وقال سبحانه: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران:85}.
والله أعلم.