الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن المبالغ التي يتركها المراجعون، لا حق للموظف الحكومي فيها، جاء في فتاوى دار الإفتاء الأردنية: الأموال الزائدة عن قيمة المبيعات لدى موظف الصندوق أو المحاسب، لا تخلو عن واحدة من الحالات الآتية:
أولًا: ما تعمد الموظف إخفاءه واقتطاعه، فهو حرام؛ لأنه أكل لأموال الناس بالباطل، قال الله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) [البقرة:188]؛ ولذلك يجب التوبة منه، ورده إلى أصحابه بأي طريقة كانت، فإن تعذر ذلك، وجب صرفه في مصالح المسلمين.
ثانيًا: إذا كان الموظف في القطاع الحكومي العام، فلا يحل له قبول أي إكرامية، قلَّت أو كثرت؛ لما فيها من شبهة الرشوة أو الفساد، ولما فيها من تهمة ظاهرة مخالفة للأنظمة التي وضعت لحفظ مصالح الناس.
ثالثًا: ما دفعه الزبائن عن طيب نفس، من غير استشراف، ولا سؤال، ولم تكن بسبب تقصير من الموظف طمعًا في الإكرامية؛ فحينئذ لا حرج على الموظف في القطاع الخاص أن يقبلها، لكن بشرط استئذان أصحاب العمل في شأنها؛ وذلك لأن الموظف وكيل، والهبة للوكيل اختلف العلماء في حكمها، هل هي من حق الوكيل أم من حق الموكل؟ فكان لا بد من استئذان أصحاب العمل؛ للخروج من الخلاف.
رابعًا: إذا دُفعت الإكرامية بطلب من العامل، أو الموظف نفسه، فلا تحل له أيضًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنه لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه) رواه أحمد، ولأنه يجب عليه تقديم الخدمة مقابل الراتب الأصلي، ولا يجوز له التقاعس عن الخدمة حتى تدفع له الإكرامية. اهـ. وانظر الفتوى: 50322.
والواجب على الموظف أن يتحلل من تلك المبالغ؛ بدفعها للفقراء، وفي مصالح المسلمين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فهذه الأموال التي تعذر ردها إلى أهلها؛ لعدم العلم بهم مثلًا، هي مما يصرف في مصالح المسلمين عند أكثر العلماء، وكذلك من كان عنده مال لا يعرف صاحبه -كالغاصب التائب، والخائن التائب، والمرابي التائب، ونحوهم ممن صار بيده مال لا يملكه، ولا يعرف صاحبه-؛ فإنه يصرفه إلى ذوي الحاجات، ومصالح المسلمين. اهـ. من مجموع الفتاوى.
ويجتهد في تقدير الواجب عليه، بما يغلب على ظنه براءة ذمته به، قال الرحيباني: وإن كان المختلط دراهم جهل قدرها، وعلم مالكها؛ فيرد إليه مقدارًا يغلب على الظن البراءة به منه. اهـ. من مطالب أولي النهى.
والله أعلم.