الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لك لوم الله تعالى، ولا عتابه سبحانه على أقضيته، بل العتبى له سبحانه حتى يرضى، واعلم أن الله تعالى لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته وعدله، وأنه سبحانه حكيم يضع الأشياء في مواضعها ويوقعها في مواقعها، وأن الخلق جميعا عبيده فهو يتصرف فيهم كيف يشاء، وأنه ليس لأحد حق واجب عليه سبحانه، فما أعطاه فضله وما منعه عدله، فإياك وهذه الطريقة في التفكير أو التحدث عن الله تعالى، بل اصبر لجميع أقضيته سبحانه، واعلم وأيقن أنه أرحم بالعبد من الوالدة بولدها، وأنه أعلم بمصالحه من نفسه، وأنه يسوق لك ما فيه المصلحة في الوقت الذي يعلم أنه مصلحة، فارتقب فرجه، وانتظر إحسانه ومنه، وأحسن الظن به سبحانه، ولا تتسخط قضاءه وقدره.
واعلم أن الدنيا دار امتحان وابتلاء، وليس الفقر دليل هوان العبد على ربه حاشا وكلا، بل قد يبتلي الله العبد بالفقر لما في ذلك له من المصلحة، كما قال تعالى: فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا {الفجر:15: 17}. أي ليس الأمر كما زعم هذا الزاعم، وظن هذا الظان، فليس كل من وسع الله عليه تكون التوسعة دليل محبة الله له، ولا كل من قدر الله عليه رزقه وضيق عليه يكون ذلك دليل سخط الله عليه.
وانظر في الدنيا إلى من هو دونك؛ لئلا تزدري نعمة الله عليك، وتأمل فيما بسط الله لك من النعم الظاهرة والباطنة، ومن أهمها نعمة الهداية للإسلام، وسلامة الأعضاء والحواس، وغير ذلك في حين حرم منه كثيرون، فذلك الفكر أجدر بك، وأولى لك، وأعون لك على ألا تزدي نعمة الله تعالى، وأن تحمده على جميع الأحوال.
والله أعلم.