الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يشرح صدرك، ويفرج همّك، ويجعل لك من أمرك يسرا.
ثم اعلم أنّ كل ما يحصل لك فهو بقدر من أقدار الله التي يجريها بحكمته البالغة، ورحمته الواسعة، وأنّ الله قد يصرف عنك شيئا عاجلاً، ويدخر لك خيرًا منه، فهو سبحانه أعلم بمصالح العبد من نفسه، وأرحم به من أبيه وأمه. قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216].
قال ابن القيم –رحمه الله-: والعبد لجهله بمصالح نفسه، وجهله بكرم ربه، وحكمته، ولطفه؛ لا يعرف التفاوت بين ما منع منه، وبين ما ذخر له، بل هو مولع بحب العاجل، وإن كان دنيئا، وبقلة الرغبة في الآجل، وإن كان عليّا. انتهى.
ومع ذلك فإنه إذا نزلت بالعبد بلية، أو شعر بعدم التوفيق في بعض الأمور، فعليه أن يتهمّ نفسه، ويجدّد التوبة إلى الله، فإنّه كما قيل :لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة. ففي صحيح مسلم عن أبي ذر -رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه: ... يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ.
قال ابن رجب الحنبلي –رحمه الله- في جامع العلوم والحكم: فَالْمُؤْمِنُ إِذَا أَصَابَهُ فِي الدُّنْيَا بَلَاءٌ، رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ بِاللَّوْمِ، وَدَعَاهُ ذَلِكَ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ. انتهى.
وقال ابن القيم -رحمه الله- في الجواب الكافي: ومن عقوبات الذنوب إنها تزيل النعم وتحل النقم، فما زالت عن العبد نعمة الا لسبب ذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب. انتهى.
فبادر بتجديد التوبة العامة الشاملة من كل الذنوب الباطنة والظاهرة، واستعن بالله على الاجتهاد في الأعمال الصالحة، وأكثر من الاستغفار، وحصّن نفسك بالمحافظة على الأذكار المسنونة والرقى المشروعة من العين ونحوها، المبينة في الفتويين: 2244، 10981.
وأحسن ظنّك بربك، وأكثر من دعائه، فإنّه قريب مجيب.
والله أعلم.