الحمد لله، والصلاة، والسلام، على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا نويت رفع الحدث في أول الوضوء أجزأتك تلك النية، ولا يلزمك أن تحدث نية لكل غسلة من الغسلات، والذي ينص عليه فقهاء المالكية في المعتمد عندهم أنك إذا تركت لمعة لم تغسلها في الغسلة الأولى ثم غسلتها بنية الفضيلة غسلة ثانية فإن هذا لا يجزئ، والذي يخرج من هذا هو أن تنوي الوضوء ولا تحدث لكل غسلة نية، فإنك إن لم تنو بالغسلة الثانية الفضيلة أجزأتك جميع الغسلات عن طهارتك الواجبة.
قال الدردير في الشرح الكبير: (أَوْ تَرَكَ لُمْعَةً) مِنْ مَغْسُولِ فَرَائِضِهِ (فَانْغَسَلَتْ) فِي الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ (بِنِيَّةِ الْفَضْلِ) فَلَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ غَيْرِ الْفَرْضِ لَا تُجْزِئُ عَنْهُ، وَهَذَا إذَا أَحْدَثَ نِيَّةَ الْفَضِيلَةِ؛ وَإِلَّا أَجْزَأَهُ. قال الدسوقي في الحاشية: (قَوْلُهُ: فَلَا تُجْزِئُ) أَيْ وَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهَا بِنِيَّةِ الْفَرْضِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا إذَا أَحْدَثَ نِيَّةَ الْفَضِيلَةِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ صُورَةَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ خَصَّ نِيَّةَ الْفَرْضِ بِالْغَسْلَةِ الْأُولَى وَأَحْدَثَ نِيَّةَ الْفَضِيلَةِ فِي الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ الَّتِي غُسِلَتْ بِهِمَا اللُّمْعَةُ. وَأَمَّا لَوْ نَوَى أَنَّ الْفَرْضَ مَا عَمَّمَ مِن الْغَسَلَاتِ وَبَقِيَتْ لُمْعَةٌ لَمْ تُغْسَلْ بِالْأُولَى وَغُسِلَتْ بِالثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ، فَإِنَّ الْغَسْلَ يُجْزِي. انتهى،
وعند المالكية قول آخر بالإجزاء فيما إذا نوى بالغسلة الثانية الفضيلة؛ لكنه خلاف المعتمد، والذي بيناه لك هو الأولى، فتنوي بوضوئك رفع الحدث ولا تتعرض لنية الفضيلة بالغسلة الثانية أو الثالثة، ووضوؤك والحال هذه مجزئ.
وأما تخليل الأصابع فإنه واجب إذا كان الماء لا يبلغ ما تحتهما إلا بالتخليل، وأما فيما عدا ذلك فهو مستحب، وأما عند المالكية فتخليل الأصابع واجب في الوضوء، ثم هو مشروع في كل غسلة من الغسلات الثلاث.
قال الدسوقي رحمه الله: مَا ذَكَرَهُ مِنْ وُجُوبِ تَخْلِيلِ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ فِي الْوُضُوءِ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِالنَّدْبِ كَتَخْلِيلِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ... والتخليل في كل غسلة من الغسلات الثَّلَاثِ حَتَّى تُعَدَّ الْمَرَّةُ غسلة؛ كما قال شيخنا. انتهى.
وعلى هذا؛ فإنك لو خللت أصابعك في الغسلة الثانية، أو الثالثة فحسب، ولم تتعرض لنية الفضيلة بتلك الغسلة أجزأك ذلك على ما قررنا عند فقهاء المالكية.
والله أعلم.