الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن وصف الحديث بالجيد أو المجود يطلق غالبا على الحديث المقبول، فيطلق على الحديث الصحيح، وعلى الحديث الحسن.
قال السيوطي في ألفيته في مصطلح الحديث:
109 - وَلِلْقَبُولِ يُطْلِقُونَ جَيِّدَا ... وَالثَّابِتَ الصَّالِحَ وَالمُجَوَّدَا
110 -وَهَذِهِ بَيْنَ الصَّحِّيحِ وَالحَسَنْ ...
جاء في شرح الأثيوبي: (وللقبول) أي الحديث المقبول في الأحكام وغيرها (يطلقون) أي يستعمل المحدثون ألفاظاً منها: ما ذكره بقوله: (جيدا والثابت الصالح والمجودا) بفتح الواو المشددة.
فأما الجيد: فقال الحافظ -ابن حجر- في الكلام على أصح الأسانيد لما حكى ابن الصلاح عن أحمد بن حنبل أن أصحها الزهري عن سالم عن أبيه: عبارة أحمد: أجود الأسانيد، كذا أخرجه الحاكم قال: وهذا يدل على أن ابن الصلاح يرى التسوية بين الجيد والصَّحِيح، ولذا قال البلقيني بعد أن نقل ذلك: من ذلك يعلم أن الجودة يعبر بها عن الصحة، وفي جامع الترمذي في الطب هذا حديث جيد حسن، وكذا قال غيره لا مغايرة بين جيد وصحيح عندهم؛ إلا أن الجهبذ منهم لا يعدل عن صحيح إلى جيد إلا لنكتة، كأن يرتقي الحديث عنده عن الحسن لذاته ويتردد في بلوغه الصَّحِيح، فالوصف به أنزل رتبة من الوصف بصحيح.
والمجود والثابت يشملان أيضاً الصَّحِيح على خلاف في الثابت يأتي، (وهذه) الألفاظ المذكورة دائرة (بين) الصَّحِيح والحسن) فتستعمل فيهما .اهـ. باختصار.
لكن المتقدمون قد يطلقون وصف (التجويد) و(جوده فلان) على تدليس التسوية، قال السيوطي في الألفية:
172 - وَشَرُّهُ " التَّجْوِيدُ " وَالتَّسْوِيَةُ ... إِسْقَاطُ غَيْرِ شَيْخِهِ وَيُثْبِتُ
173 - كَمِثْلِ " عَنْ " وَذَاكَ قَطْعًا يَجْرَحُ
جاء في شرح الأثيوبي: (وشره التجويد) أي شر أقسام التدليس النوع المسمى عند المتقدمين بالتجويد حيث يقولون: جوده فلان، أي ذكر من فيه من الأجواد وحذف غيرهم (و) هو (التسوية) سماه به أبو الحسن بن القطَّان فمن بعده فقال: سَوَّاه فلان، وهذه تسوية، فالتجويد والتسوية اسمان لمسمى واحد.
وحاصل المعنى: أن أفحش أنواع التدليس ما يسمى بالتجويد والتسوية، وصورته كما قال العراقي: أن يروي حديثاً عن شيخ ثقة، وذلك يرويه عن ضعيف عن ثقة، فيأتي المدلس الذي سمع الحديث من الثقة الأول فيسقط الضَّعِيف الذي في السَّند، ويجعل الحديث عن شيخه الثقة عن الثقة الثاني بلفظ محتمل، فيستوي الإسناد كله ثقات، ولهذا سمى تدليس التسوية، وإنما كان شر أقسام التدليس لأن الثقة الأول قد لا يكون معروفاً بالتدليس ويجده الواقف على السَّند كذلك بعد التسوية قد رواه عن ثقة آخر فيحكم له بالصحة، وفي هذا غَرَر شديد، ولذا صار من يفعله مجروحاً .اهـ. باختصار.
والله أعلم.