الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالأصل إباحة لبس الخاتم من أي شيء كان سوى الذهب للرجال، ولكن لبس الخاتم المصنوع من تلك الشجرة عن اعتقادٍ بأنه يدفع ضُرا، أو يرفعه، هذا يجعله من جملة التمائم. وقد دل الشرع على المنع منها، وأنها شرك، ففي حديث عقبة بن عامر أنَّه جاءَ في ركْبِ عَشْرَةٍ إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبايع تِسْعَةً، وأمسكَ عَنْ رجلٍ منهم، فقالوا: ما شَأْنُه؟ فقال: "إنَّ في عَضُدِه تَميمَةً" فقطَّعَ الرجُلُ التَّميمَةَ، فبايَعهُ، رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قال: "مَنْ عَلَّقَ فقد أَشْرَكَ" رواه أحمد، والحاكم واللفظ له، وصححه الألباني.
ووجه كون تعليق التميمة شركا، أن معلقها إن اعتقد أنها بذاتها تشفي، أو تحفظ، فقد جعلها شريكة مع الله تعالى في التدبير. وإن اعتقد أنها سبب وليست فاعلة بذاتها، فقد اتخذ سببا لم يجعله الله تعالى سببا، فأشرك في الحكم.
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: ولبس الحلقة ونحوها: إن اعتقد لابسها أنها مؤثرة بنفسها دون الله; فهو مشرك شركا أكبر، في توحيد الربوبية; لأنه اعتقد أن مع الله خالقا غيره. وإن اعتقد أنها سبب، ولكنه ليس مؤثرا بنفسه; فهو مشرك شركا أصغر؛ لأنه لما اعتقد أن ما ليس بسبب سببا; فقد شارك الله تعالى في الحكم لهذا الشيء بأنه سبب، والله تعالى لم يجعله سببا. اهـ
وهذا يصدق على القول بأن الخاتم من تلك الشجرة يشفي من الأمراض أو السحر: فإن كان قائله يعتقد أن الخاتم بنفسه يفعل ذلك فهذا ضرب من الشرك الأكبر؛ لأن الشافي هو الله تعالى، قال الله عز وجل: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ. {سورة الأنعام:17}، وفي الحديث: اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شَافِيَ إِلَّا أَنْتَ. رواه البخاري وغيره.
وإن كان قائله يعتقد أن الخاتم سببٌ وليس فاعلا بذاته، فهذا ضربٌ من الشرك الأصغر، حيث جعل سببا لم يجعله الله تعالى سببا. فلا يجوز لبس الخاتم مع ذلك الاعتقاد؛ لأنه تميمة، وإذا كان لبسه بتلك العقيدة منتشرا بين الناس، فإنه لا يُلبس ولو بدون ذلك الاعتقاد لا سيما من أهل العلم والفضل، منعًا من مشاركة أهل الخرافة في الظاهر، ولعدم التغرير بالناس؛ فإن الناس يقتدون بأهل العلم والفضل، فإذا لبس الواحد منهم ذلك الخاتم مع انتشار ذلك الاعتقاد الفاسد، ظن الناس أنه اعتقاد صحيحٌ.
والله تعالى أعلم.