الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا في الفتوى: 237199، والفتوى: 232042 متى يتحمل السائق نتيجة الحادث ومتى لا يتحملها؟
ومتى كان السائق مسؤولًا عن القتل، وكان القتلى أكثر من واحد، فإن المفتى به عندنا أن الكفارة تتعدد بتعدد القتلى؛ فتلزمه كفارة عن كل قتيل، جاء في الموسوعة الفقهية: تَعَدُّدُ الْكَفَّارَةِ بِتَعَدُّدِ الْقَتْلَى، وَالْقَاتِل وَاحِدٌ.
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ، وَالْحَنَابِلَةُ، إِلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمَقْتُولِينَ. اهــ.
وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة للإفتاء، فقد قالت: وكفارة قتل الخطأ تتعدد بتعدد المقتول، كتعدد الدية. اهـ.
وهو أيضًا اختيار الشيخ ابن عثيمين، فقد قال -رحمه الله تعالى-: والكفارة تتعدد بتعدد المقتولين، فلو جنى على شخصين، فماتا، لزمه أن يصوم أربعة أشهر: كل شهرين متتابعين، وإن جنى على ثلاثة: لزمه أن يصوم ستة أشهر، وهكذا، لكل نفس شهران متتابعان. اهــ.
ويرى بعض الفقهاء أن الكفارة واحدةٌ، ولا تتعدد بتعدد القتلى، وهو قول الحنفية، ورجّحه اثنان من أصحاب موسوعة الفقهية الميسر -وهما: الدكتور عبد الله بن محمّد المطلق، والدكتور محمَّد بن إبراهيم الموسَى-، فقد جاء فيها:
يرى الحنفية، وبعض الحنابلة: أنه تجزئ القاتل خطأ كفارة واحدة إذا تعدد القتل؛ لأن حقوق الله مبنية على المسامحة، ولأن الكفارة جزاء جناية، تكرر سببها قبل استيفائها، فتتداخل.
ويرى المالكية، والشافعية، وبعض الحنابلة: أنه لا تجزئ كفارة واحدة، وإنما يلزم أكثر من كفارة بعدد القتلى ...
ولكن نتيجة لكثرة أعداد المتوفين، الذي قد يصل إلى مئات في مثل تلك الحالات، وهذه أمور، قد جدّت في هذا الزمان، من حيث كثرة العدد، وهي من هذا الجانب تعدّ نازلة، فنرى أنه إذا كان القاتل خطأ في وسائل النقل الجماعي من طائرات، وسيارات، وسفن، وغيرها متعديًّا، فإن عليه الكفارة، ولمرة واحدة؛ لأن السبب في هذه الحوادث واحد، لم يتعدد، ولأن حقوق الله تعالى مبنية على المسامحة، فقد يكون القتلى مائة، أو أكثر، فلو قيل بالتعدد للكفارة؛ لاستغرق تأديتها عمر المتعدي، أو معظمه، وفي ذلك مشقة عظيمة عليه، وقد أخذت بذلك دار الإفتاء المصرية، كما جاء في الفتوى: 363 وتاريخ: 24/ 2 / 2007 م، فقد جاء فيها: "ومن المناسب في عصرنا الأخذ بالرأي الأول، في حال تعدد القتلى بحادث واحد في وسائل النقل الجماعية؛ لأنه أيسر من الرأي الثاني، الذي يلزم بالكفارات بعدد القتلى، وفي هذا حرج، ومشقة، والمشقة تجلب التيسير؛ ولا سيما أن القتل حدث خطأً. اهــ.
ولا نرى حرجًا في الأخذ بهذا القول.
والله تعالى أعلم.