الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ورد الأمر بركعتي تحية المسجد في كثير من الأحاديث الصحيحة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل أحدكم المسجد، فليركع ركعتين قبل أن يجلس، رواه البخاري في صحيحه، وروى مسلم في صحيحه عن أبي قتادة قال: دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بين ظهراني الناس، قال: فجلست، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسل: ما منعك أن تركع ركعتين قبل أن تجلس؟ قال: فقلت: يا رسول الله! رأيتك جالساً، والناس جلوس، قال: فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين، واختلف العلماء في جواز أدائهما في الوقت المنهي عنه على قولين: أحدهما: أنه لا يصليهما وهو قول أبي حنيفة ومالك، وثانيهما: أنه يصليهما وهو قول الشافعي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وهذا أظهر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، وهذا أمر يعم جميع الأوقات، ولم يعلم أنه خص منه صورة من الصور، انتهى، وذكر رحمه الله حديث الأمر بها وقت الخطبة، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: إذا دخل أحدكم المسجد والخطيب على المنبر فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، ثم قال: فإذا كان قد أمر بالتحية في هذا الوقت وهو وقت نهي، فكذلك الوقت الآخر بطريق الأولى، ولم يختلف قول أحمد في هذا لمجيء السنة الصحيحة به،انتهى، وصلاة الركعتين بعد الغروب وقبل صلاة المغرب، ثابتة في السنة من قوله صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره، ولهذا ذهب الشافعية إلى استحبابهما، وإنما كرههما الحنفية والمالكية لأجل أنهما قد يؤديان إلى تأخير المغرب ولا شك أن الراجح هو سنية فعلهما، كما هو مبين في الفتوى رقم: 9389، لكن إذا أدى فعل هذه السنة إلى حصول الاختلاف والتنافر بين المصلين، كان الأولى تركها، لأن مصلحة تأليف القلوب وجمع الكلمة أولى، مع الاجتهاد في تعليمهم السنة، وحضهم عليها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولهذا استحب الأئمة أحمد وغيره أن يدع الإمام ما هو عنده أفضل إذا كان فيه تأليف المأمومين، مثل أن يكون عنده فضل الوتر أفضل، بأن يسلم في الشفع، ثم يصلي ركعة الوتر وهو يؤم قوماً لا يرون إلا وصل الوتر، فإذا لم يمكنه أن يتقدم إلى الأفضل كانت المصلحة الحاصلة بموافقته لهم بوصل الوتر أرجح من مصلحة فصله مع كراهتهم للصلاة خلفه، وكذلك لو كان ممن يرى المخافتة بالبسملة أفضل أو الجهر بها، وكان المأمومون على خلاف رأيه، ففعل المفضول عنده لمصلحة الموافقة والتأليف، التي هي راجحة على مصلحة تلك الفضيلة، كان جائزاً حسناً، انتهى من مجموع الفتاوى 24/196.
والله أعلم.