الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب في عظم حق الوالد على أولاده، ولا سيما في حال كبره وضعفه ومرضه، فواجب على أولاده خدمته ورعايته.
قال ابن مفلح -رحمه الله- في غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب: ومن حقوقهما خدمتهما إذا احتاجا، أو أحدهما إلى خدمة. اهـ.
وهذه الخدمة والرعاية واجبة على جميع الأولاد. فإما أن يقوموا بخدمته بأنفسهم بالتناوب فيما بينهم، وإمّا أن يوفروا له من يقوم بخدمته بأجرة أو بغيرها، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 127286
وعليه؛ فلا يلزمك أن تسكني والدك في بيت زوجك، ولا يلزمك أن تنفردي بخدمته دون إخوتك. وحيث قام أخوك أو غيره بخدمته، فلا يجوز لك معصية زوجك بالخروج إلى أبيك دون إذنه.
لكن على أية حال، فليس لكم أن تضيعوا أباكم، فإمّا أن تتعاونوا على تأجير من يقوم بخدمته كممرض أو خادم، ولا تنقطعوا عن زيارته وتفقده، أو تتناوبي مع أخيك على خدمته، أو يتبرع أحدكما بخدمته ورعايته.
وفي الحال التي لا يقوم فيها أحد بخدمة أبيك، وكنت قادرة على خدمته، فهي واجبة عليك، ولو نهاك زوجك عن الخروج إليه؛ فإنه يسوغ لك مخالفة زوجك في هذه الحال التي فيها تضييع للوالد إذا تُرك وحده، فقد نصّ بعض أهل العلم على جواز خدمة الوالدين عند الحاجة الشديدة ولو أبى الزوج.
قال ابن الهمام في فتح القدير: وَلَوْ كَانَ أَبُوهَا زَمِنًا مَثَلًا، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى خِدْمَتِهَا، وَالزَّوْجُ يَمْنَعُهَا مِنْ تَعَاهُدِهِ، فَعَلَيْهَا أَنْ تعصيهُ مُسْلِمًا كَانَ الْأَبُ، أَوْ كَافِرًا. اهـ.
والواجب على أبيك أن يستر عورته، ولا يجوز له التهاون في كشفها أمامك، وأمام أولادك وغيرهم، وعليك نهيه عن ذلك بأدب ورفق. ويمكنك أن تكلمي زوجك، أو أحد أولادك؛ ليخبره بذلك، ولا يجوز السكوت على هذا الأمر.
أمّا في حال الضرورة كتنظيفه بعد قضاء الحاجة في حال عجزه، فيجوز لك النظر والمسّ بقدر الحاجة، فقد ألحق العلماء هذه الحال بحكم الطبيب الذي يجوز له النظر والمس بقدر الحاجة.
قال ابن مفلح الحنبلي -رحمه الله- في الفروع: وَمَنْ يَلِي خِدْمَةَ مَرِيضٍ وَمَرِيضَةٍ، فِي وُضُوءٍ وَاسْتِنْجَاءٍ وغيرهما كطبيب، نص عليه. اهـ.
وإذا قمت بما يجب عليك من بر أبيك، فلا تكونين عاقة، ولا يضرك دعاؤه عليك -بإذن الله-.
قال ابن علان في دليل الفالحين: ...ودعوة الوالد على ولده، أي إذا ظلمه، ولو بعقوقه.
وقال المناوي في شرح الجامع الصغير: وما ذكر في الوالد، محله في والد ساخط على ولده لنحو عقوق. اهـ.
واعلمي أنّ برّ الوالد والإحسان إليه، من أفضل الأعمال، وأحبها إلى الله.
ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قَالَ: رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرب في سخط الوالد.
وعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة؛ فإن شئت فأضع هذا الباب، أو احفظه. رواه ابن ماجه والترمذي.
قال المباركفوري -رحمه الله-: قَالَ الْقَاضِي: أَيْ خَيْرُ الْأَبْوَابِ وَأَعْلَاهَا. وَالْمَعْنَى أَنَّ أَحْسَنَ مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَيُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى وُصُولِ دَرَجَتِهَا الْعَالِيَةِ، مُطَاوَعَةُ الْوَالِدِ، وَمُرَاعَاةُ جَانِبِهِ. تحفة الأحوذي.
والله أعلم.