الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب رد هذه الأرض بعينها إلى مستحقها إن أمكن ذلك، وإلا فترد قيمتها. وفي تعيين الوقت المعتبر لهذه القيمة، خلاف بين أهل العلم، سبق بيانه وترجيح أنه يوم تلف المغصوب، أو تعذر رده، وانظر الفتوى رقم: 297055.
وإذا بذلت هذه القيمة لصاحب الأرض، وكانت مما يؤجر وينتفع بأجرتها، فهل يستحق صاحبها مع قيمتها قدر منفعة أجرتها من حين غصبها، إلى وقت تعذر ردها بفواتها بالبيع؟ فهذا موضع خلاف بين أهل العلم، بسبب خلافهم في امتلاك الغاصب الشيء المغصوب بأداء ضمانه.
جاء في الموسوعة الفقهية: للفقهاء اتجاهان في مسألة جمع المالك بين أخذ القيمة إذا تلف المغصوب، وبين أخذ الغلة كالأجرة المستفادة من إيجار الأعيان المغصوبة:
الاتجاه الأول - للحنفية والمالكية: وهو أنه لا يجمع المالك بين أخذ قيمة وغلة؛ لأن المضمونات تملك بأداء الضمان مستندا، أي بأثر رجعي إلى وقت الغصب، فتكون الغلة من حق الغاصب، إذا أدى قيمة المغصوب إلى المالك، ولا يلزم الغاصب بالقيمة إلا بتلف المغصوب أو فواته.
والاتجاه الثاني - للشافعية والحنابلة: وهو أنه يجمع المالك بين أخذ القيمة عند التلف والغلة؛ لأنه تلفت عليه منافع ماله بسبب كان في يد الغاصب، فلزمه ضمانها، كما لو لم يدفع القيمة، والأجرة أو الغلة في مقابلة ما يفوت من المنافع، لا في مقابلة أجزاء الشيء المغصوب، فتكون القيمة واجبة في مقابلة ذات الشيء، والغلة في مقابلة المنفعة، وإن تلف المغصوب فعلى الغاصب أجرته إلى حين تلفه؛ لأنه من حين التلف لم تبق له منفعة حتى يتوجب عليه ضمانها.
ومنشأ الخلاف: هل يملك الغاصب الشيء المغصوب بأداء الضمان؟ فقال أرباب الاتجاه الأول: الضامن يملك المال المضمون بالضمان من وقت قبضه. وقال أصحاب الاتجاه الثاني: لا يملك الغاصب الشيء المغصوب بأداء الضمان؛ لأن الغصب عدوان محض، فلا يصلح سببا للملك. اهـ.
وراجع في ذلك الفتوى رقم: 107416.
والله أعلم.