الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فإذا كان الذهاب إلى المسجد الأبعد يترتب عليه هجران الأقرب بحيث لا يصلي فيه أحد، فلا شك أن الصلاة في الأقرب أولى، وإن كانت الجماعة تُقام في كلا المسجدين، ولست إماما للمسجد القريب، فالصلاة في المسجد الأكثر جماعة أفضل؛ سواء كان هو البعيد أم القريب، فإن استووا في الجماعة، فالمسجد الأقدم أفضل من المسجد الحديث، فإن استويا في هذا الجانب، فالأفضل البعيد لتكثير الخطا، وقيل: الأقرب أفضل لحق الجوار.
وقد لخص ابن قدامة في المغني هذه المفاضلة فقال: وَفِعْلُ الصَّلَاةِ فِيمَا كَثُرَ فِيهِ الْجَمْعُ مِنْ الْمَسَاجِدِ أَفْضَلُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ؛ وَمَا كَانَ أَكْثَرَ، فَهُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى» . رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ، فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْجَمَاعَةِ فَفِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ الْعَتِيقِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ فِيهِ أَكْثَرُ. وَإِنْ كَانَ فِي جِوَارِهِ أَوْ غَيْرِ جِوَارِهِ مَسْجِدٌ لَا تَنْعَقِدُ الْجَمَاعَةُ فِيهِ إلَّا بِحُضُورِهِ فَفِعْلُهَا فِيهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَعْمُرُهُ بِإِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ، وَيُحَصِّلُهَا لِمَنْ يُصَلِّي فِيهِ. وَإِنْ كَانَتْ تُقَامُ فِيهِ، وَكَانَ فِي قَصْدِهِ غَيْرَهُ كَسْرُ قَلْبِ إمَامِهِ أَوْ جَمَاعَتِهِ، فَجَبْرُ قُلُوبِهِمْ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهَلْ الْأَفْضَلُ قَصْدُ الْأَبْعَدِ أَوْ الْأَقْرَبِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا قَصْدُ الْأَبْعَدِ؛ لِتَكْثُرَ خُطَاهُ فِي طَلَبِ الثَّوَابِ فَتَكْثُرَ حَسَنَاتُهُ. وَالثَّانِيَةُ الْأَقْرَبُ لِأَنَّ لَهُ جِوَارًا، فَكَانَ أَحَقَّ بِصَلَاتِهِ كَمَا أَنَّ الْجَارَ أَحَقُّ بِهَدِيَّةِ جَارِهِ وَمَعْرُوفِهِ مِنْ الْبَعِيدِ ... اهـــ
والمفتى به عندنا أن الصلاة في مسجد الحي أفضل من الصلاة في المسجد البعيد. وانظر الفتوى رقم: 124518.
والله تعالى أعلم.