الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث الأول رواه الإمام مسلم في صحيحه, عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره.
فينبغي للمسلم الحرص على أن يدعو به في جميع صلواته؛ سواء تعلّق الأمر بالفرض أوالنفل, جاء في فتاوى نورعلى الدرب لابن باز: وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو في سجوده، ويقول: «اللهم اغفر لي ذنبي كله: دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره» فقد ثبت هذا من قوله وفعله عليه الصلاة والسلام، فيشرع للمؤمن أن يدعو في السجود في الفرض والنفل جميعا؛ لأن الرسول أمر بهذا، وفعله عليه الصلاة والسلام. انتهى
وقال الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين: أما الحديث الثاني فهو فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في صلاته: اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله، علانيته وسره، وأوله وآخره، وهذا من باب التبسط في الدعاء والتوسع فيه؛ لأن الدعاء عبادة، فكل ما كرره الإنسان ازداد عبادة لله عز وجل، ثم إنه في تكراره هذا يستحضر الذنوب كلها السر والعلانية، وكذلك ما أخفاه، وكذلك دقه وجله، وهذا هو الحكمة في أن النبي صلى الله عليه وسلم فصل بعد الإجمال، فينبغي للإنسان أن يحرص على الأدعية الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنها أجمع الدعاء وأنفع الدعاء. انتهى
أما الحديث الثاني: فقد علّمه النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه, فينبغي للمسلم أن يدعو به في صلواته عموما، فهو من الأدعية المأثورة, وقد اختلف أهل العلم فى محله, فقيل: أثناء السجود, وقيل بعد التشهد, وقبل السلام, وقيل في عموم الصلاة. قال العيني في عمدة القاري: قوله: (في صلاتي) ، ظاهره عموم جميع الصلاة، ولكن المراد في حالة القعود بعد التشهد قبل السلام، كما حققنا هكذا فيما مضى، وقد قال الشيخ تقي الدين: لعله يترجح كونه فيما بعد التشهد لظهور العناية بتعليم دعاء مخصوص في هذا المحل. انتهى
وفي كشف اللثام شرح عمدة الأحكام للسفاريني الحنبلي: قال الدميري: هذا الدعاء، وإن كان ورد في الصلاة، فهو حسن نفيس صحيح، ويستحب في كل موطن، وقد جاء في رواية: "في بيتي". اهـ
قال ابن دقيق العيد: هذا الحديث يقتضي الأمر بهذا الدعاء في الصلاة، من غير تعيين لمحله، ولو فعل فيها حيث لا يكره الدعاء في أي الأماكن كان لجاز. قال: ولعل الأولى أن يكون في أحد موطنين؛ إما في السجود، وإما في التشهد. انتهى
والله أعلم.