الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل من المناسب أن نبدأ بما ذكرت من أمر الطلقة الثالثة، والتي علق فيها زوجك الطلاق على أمر ما، ويبدو أنك حنثته في ذلك، وفعلت الأمر المعلق عليه، وهو ما فهمناه من قولك: "وقد أوقعتها"، والطلاق المعلق واقع في قول جمهور الفقهاء عند حصول المعلق عليه؛ سواء قصد الزوج الطلاق أم قصد التهديد، وهنالك من لا يرى وقوعه عند قصد الزوج التهديد، وقد بينا الخلاف فيه في الفتوى رقم: 11592. والطلاق في الحيض واقع في قول الجمهور أيضا خلافا لمن يرى عدم وقوعه، كما هو مبين في الفتوى رقم 8507. وما ذهب إليه الجمهور هو المفتى به عندنا في المسألتين.
ولا ندري على أي أساس اختار زوجك القول بعدم وقوع الطلاق، فإن كان من طلبة العلم وترجح عنده هذا القول، أو كان قد استفتى من يثق به من العلماء فلا بأس بذلك، وأما إن كان لمجرد تتبع الرخص، فلا يجوز له ذلك، وانظري الفتوى رقم: 134759.
فعليه أن يبادر الآن لسؤال أهل العلم، فإن لم يفعل فارفعي الأمر إلى المحكمة الشرعية لاحتمال أن تكوني حرمت عليه بالطلقة الثالثة، فلا تحلين له بعدها حتى تنكحي زوجا غيره، قال تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {البقرة:230}.
وعلى تقدير عدم وقوع الطلقة الثالثة، فالمرأة لها الحق في طلب الطلاق، إن كانت متضررة من البقاء مع زوجها، وإن لم تكن متضررة، ولكن كرهت البقاء معه، وخشيت التفريط في حقه، فلها الحق في طلب الخلع، وراجعي الفتويين: 37112، ورقم 20199، ولكن لا تعجلي إلى شيء من ذلك، وخاصة إن رجوت أن ينصلح حاله، واستشيري العقلاء من أهلك أو أهله ممن لهم معرفة به، وافعلي ما يرجى أن يكون الأصلح.
وننبه إلى بعض الأمور:
الأول: أن على الزوج أن يعاشر زوجته بالحسنى امتثالا لقول الله عز وجل: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19}، ولمزيد فيما يتعلق بما تقتضيه المعاشرة بالمعروف راجعي الفتوى رقم: 368647.
الثاني: الحرص على الاستشارة قبل الزواج بسؤال الثقات عمن يريد أن يتقدم للخطبة، والاستخارة بعدها في أمره، فهما من أعظم دواعي التوفيق، وراجعي الفتوى رقم: 228616، والفتوى رقم: 19333.
الثالث: الحذر من الغضب والاجتهاد في توقي آثاره السيئة باتباع الهدي النبوي في ذلك، وتراجع الفتوى رقم: 8038.
والله أعلم.