الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه قد اختلف في معنى الفطرة المذكورة في حديث : ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء، ثم يقول أبو هريرة -رضي الله عنه- فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم. رواه البخاري ومسلم.
يراجع في معنى الفطرة، الفتوى رقم: 26645.
وعلى كل، فالمولود يبقى على تلك الفطرة التي ولد عليها لو سلم من بواعث الضلال، وشياطين الإنس والجن.
قال ابن الأثير في النهاية: ومعنى الحديث: أن المولود يولد على نوع من الجبلة, وهي فطرة الله تعالى، وكونه متهيئا لقبول الحق طبعا وطوعا, لو خلته شياطين الإنس والجن وما يختار لم يختر غيرها, فضرب لذلك الجمعاء والجدعاء مثلا. يعني أن البهيمة تولد مجتمعة الخلق, سوية الأطراف, سليمة من الجدع, لولا تعرض الناس إليها لبقيت كما ولدت سليمة. اهـ.
وقال ابن القيم في شفاء العليل: ومما ينبغي أن يعلم أنه إذا قيل أنه ولد على الفطرة، أو على الإسلام، أو على هذه الملة، أو خلق حنيفا، فليس المراد به أنه حين خرج من بطن أمه يعلم هذا الدين ويريده؛ فإن الله يقول: والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا. ولكن فطرته موجبة، مقتضية لدين الإسلام لقربه، ومحبته، فنفس الفطرة تستلزم الإقرار بخالقه، ومحبته، وإخلاص الدين له. وموجبات الفطرة ومقتضياتها تحصل شيئا بعد شيء، بحسب كمال الفطرة، إذا سلمت من المعارض.
وليس المراد أيضا مجرد قبول الفطرة لذلك؛ فإن هذا القبول تغير بتهويد الأبوين وتنصيرهما، بحيث يخرجان الفطرة عن قبولها، وإن سعيا بين بنيهما ودعائهما في امتناع حصول المقبول أيضا، ليس هو الإسلام، وليس هو هذه الملة، وليس هو الحنيفية. وأيضا فإنه شبه تغيير الفطرة بجدع البهيمة الجمعاء، ومعلوم أنهم لم يغيروا قبوله، ولو تغير القبول وزال، لم تقم عليه الحجة بإرسال الرسل، وإنزال الكتب؛ بل المراد أن كل مولود فإنه يولد على محبته لفاطره، وإقراره له بربوبيته، وادعائه له بالعبودية. فلو خلي وعدم المعارض، لم يعدل عن ذلك إلى غيره، كما أنه يولد على محبة ما يلائم بدنه من الأغذية والأشربة، فيشتهي اللبن الذي يناسبه ويغذيه ...) اهـ.
والله أعلم.