الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجعل الله لك من أمرك يسرا، وزادك الله على الخير حرصا.
ثم اعلمي أن الدنيا دار ابتلاء ومحنة، ينظر الله فيها إلى عباده: من يؤثر مرضاته ويجتهد في طاعته؟ ومن يؤثر دنياه على آخرته؟ ولكل واحد من الصنفين عمله وجزاؤه، ولا يظهر هذا إلا يوم الحساب، كما قال تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى. يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى. وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى. فَأَمَّا مَنْ طَغَى. وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى. وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 34 - 41]. وفي هذا اليوم يتذكر الإنسان بعد فوات الأوان، ويتمنى الظالم لنفسه أن يكون ممن قدم لنفسه، وأعدها للقاء الله عز وجل، قال تعالى: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى. يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر: 23، 24].
والمقصود أن يوم الجزاء وساعة الحساب، والاستعداد لذلك هو الذي يهون على المسلم سلوك سبيل الآخرة، والصبر على مخالفة الهوى، ويعينه أن يستقيم على صراط الله المستقيم، برغم المعوقات والمثبطات والملهيات! وتعظم الحاجة إلى ذلك في زمن غربة الدين، وقلة الصالحين، فطوبى للغرباء. وراجعي في ذلك الفتويين: 299164، 345412.
وأما بالنسبة للوالدين، فحقهما في البر والإحسان إليهما من جملة الأوامر الشرعية، والحقوق المرعية، وإن أساءا وظلما! ولكن ذلك لا يعني طاعتهما في أمر محرم، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
فعلى الأخت السائلة أن تستعين بالله على طاعته، وتحسن إلى والديها بقدر إمكانها دون أن تعصي الله تعالى، وأن تجتهد في الدعاء لنفسها ولوالديها بالهداية والتوفيق، وأن تكون بحسن خلقها وجميل تعاملها قدوة طيبة في عائلتها، وأن تلتمس الحكمة والموعظة الحسنة في دعوتها إلى الله تعالى، وبيان الأحكام الشرعية، ولا سيما مع والديها، فإنهما أعظم الناس حقا عليها، وليسا هما كبقية الناس.
قال القرافي في الفروق: الوالدان يؤمران بالمعروف، وينهيان عن المنكر، قال مالك: ويخفض لهما في ذلك جناح الذل من الرحمة. انتهى.
وجاء في كتاب الآداب الشرعية لابن مفلح: قال أحمد في رواية يوسف بن موسى: يأمر أبويه بالمعروف، وينهاهما عن المنكر. وقال في رواية حنبل: إذا رأى أباه على أمر يكرهه، يعلمه بغير عنف ولا إساءة، ولا يغلظ له في الكلام، وإلا تركه، وليس الأب كالأجنبي. انتهى.
وراجعي للأهمية الفتاوى التالية أرقامها: 231238، 318463، 107331.
والله أعلم.