الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فمن جازَ له أخذ تلك المعونة من الجمعيات الخيرية وقبضها، فإنه يجوز له أن يبيعها بعد ذلك مادامت قد دخلت في ملكه، لكن يتنبه إلى أنه إن كان غرض الجهة المتبرعة هو أن يأكل المحتاجون تلك المواد الغذائية بأنفسهم لا أن يبيعوها فحينئذ يجب مراعاة مقصودهم، وقد نص الفقهاء على أنه يجب مراعاة غرض المتبرع إن كان له مقصود شرعي، كما سبق في الفتوى رقم: 126791.
ومن باب أولى إذا صرحوا باشتراط عدم بيعها، فإنه لا يجوز بيعها إلا بإذنهم، وأما شراء التجار لتلك الصدقات بثمن بخس، واستغلال حاجة أصحابها لبيعها: فهو صنيع لا يليق بأهل الإيمان، والشرع قد جاء بالحض على السماحة في البيع والشراء، ففي صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى.
وأما من جهة الإباحة والتحريم: فمادام البائع بالغا رشيدا، فلا إثم على المشتري في أن يساومه بأي ثمن مهما كان قليلا، وإنما المحرم هو الخداع والغش، والتغرير بالجاهل الذي لا يعرف السوق، قال ابن عثيمين: الربح الذي يكتسبه البائع ليس محددا شرعا لا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في إجماع أهل العلم، ولا علمنا أن أحدا حدده، غاية ما في ذلك أن بعضا من أهل العلم لما ذكروا خيار الغبن قالوا إن مثله أن يغبن بعشرين في المائة أي بالخمس، ولكن مع هذا ففي النفس منه شيء، فإن التحديد بالخمس ليس عليه دليل أيضا، فعلى كل حال فإننا نقول إنه لا حد للربح، لعموم قوله تعالى: وأحل الله البيع ـ وعموم قوله تعالى: إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ـ فمتى رضي المشتري بالثمن واشترى به، فهو جائز ولو كان ربح البائع فيه كثيرا، اللهم إلا أن يكون المشتري ممن لا يعرفون الأسعار غريرا بالقيم والأثمان، فلا يجوز للبائع أن يخدعه ويبيع عليه بأكثر من ثمن السوق، ثم ذكر الخلاصة قائلا: لا بأس أن يأخذ ما شاء من الربح إلا إذا كان يربح على إنسان جاهل غرير لا يعرف، فهذا حرام عليه أن يربح عليه أكثر مما يربح الناس في هذه السلعة. اهـ باختصار من فتاوى نور على الدرب.
فالخلاصة: أنه لا إثم في شراء سلعة بأقل من قيمتها ولو كان البائع مضطرا إلى بيعها، مادام البائع عارفا بالسوق غير جاهل به، وراجع الفتوى رقم: 156255.
والله أعلم.