الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الفرق بين الخوف من الله -الممدوح شرعًا- وسوء الظن به -المذموم- هو: أن الخوف يعني خشيته، المستلزمة لترك معصيته، والبعد عن التقصير في طاعته، وهذا محمود، مأمور به شرعًا.
وأما سوء الظن به، فيعني اليأس من رحمته، وهذا مذموم شرعًا، كما قال الخادمي في بريقة محمودية: من آفات القلب (سوء الظن بالله تعالى) بأنه لا يغفر ذنبه، ولا يعطى أربه ... اهـ.
وجاء في التيسير بشرح الجامع الصغير للمناوي: سوء الظن بالله) بأن يظن أنه ليس حسبه في كل أموره، وأنه لا يعطف عليه، ولا يرحمه، ولا يعافيه؛ لأن ذلك يؤدي إلى القنوط: ذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم، ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. اهـ.
فمن خاف خوفًا يفضي للقنوط واليأس من الرحمة، فيعتبر مخطئًا، ومن خاف خوفًا يبعده عن المعصية، يعتبر مصيبًا، فقد قال ابن القيم في مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين: الأدب على ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: منع الخوف: أن لا يتعدى إلى اليأس، وحبس الرجاء: أن يخرج إلى الأمن، وضبط السرور: أن يضاهئ الجرأة.
يريد: أنه لا يدع الخوف يفضي به إلى حد يوقعه في القنوط، واليأس من رحمة الله. فإن هذا الخوف مذموم. وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول: حد الخوف ما حجزك عن معاصي الله، فما زاد على ذلك، فهو غير محتاج إليه. وهذا الخوف الموقع في الإياس: إساءة أدب على رحمة الله تعالى، التي سبقت غضبه، وجهل بها... اهـ.
والله أعلم.