الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فجزى الله خيراً الأخت السائلة على حرصها على الوقوف عند حدود الله، وغيرتها على محارمه.
ولتعلم أن فريضة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، من فرائض الإسلام العظام، والراجح من أقوال أهل العلم أنها من فروض الكفاية التي إذا قام بها البعض، سقط الإثم عن الباقين، وإذا تركها الجميع، أثم القادرون عليها من غير عذر، وهي من مميزات هذه الأمة، وأسباب اختيارها، فقد قال الله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ {آل عمران:110}.
فإذا عجز المسلم عن القيام بها بأي وجه من وجوه العجز، فإنها تسقط عنه، ويكتفي حينئذ بالإنكار بالقلب الذي هو آخر مراحل تغيير المنكر، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم. وفي حديث آخر من روايته: وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.
ولذلك، فإذا كنت تخشين خشية مستندة إلى سبب موجود واقعا وليس وهما أن يصيبك ضرر، أو أذى، فإنك تكتفين بالإنكار بالقلب، وبذلك يسقط عنك إثم السكوت عن المنكر، وهذه المرحلة من الإنكار لا تسقط بحال من الأحوال؛ لأن القلب لا سلطان لأحد عليه.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا عملت الخطيئة في الأرض، كان من شهدها فكرهها، كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها، كان كمن شهدها. رواه أبو داود، وحسنه الألباني.
وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: إنه يستعمل عليكم أمراء؛ فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع. رواه مسلم.
وقال ابن عبد البر في (التمهيد): من ضعف، لزمه التغيير بقلبه، فإن لم يغير بقلبه، فقد رضي وتابع. اهـ.
والله أعلم.