الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكل طاهر له منفعة مباحة شرعا يعتبر مالا، يصح بيعه وشراؤه، ومن ذلك التراب إذا حازه حائز، ولاسيما إذا نقله ليبيعه، قال النووي في منهاج الطالبين: للمبيع شروط: طهارة عينه، فلا يصح بيع الكلب والخمر، والمتنجس الذي لا يمكن تطهيره...
الثاني: النفع، فلا يصح بيع الحشرات... ويصح بيع الماء على الشط والتراب بالصحراء في الأصح... اهـ.
وقال القاضي زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: يصح بيع الماء والحجر والتراب، ولو كان الماء عند النهر، والحجر عند الجبل، والتراب عند الصحراء، لظهور المنفعة فيها، ولا يقدح في ذلك المكان تحصيل مثلها بلا تعب ولا مؤنة. اهـ.
وقال ابن شاس المالكي في عقد الجواهر الثمينة: إذا تقرر اشتراط المنفعة، فيكفي مجرد وجودها وإن قلت، ولا يشترط كثرة القيمة فيها ولا عزة الوجود، بل يصح بيع الماء والتراب والحجارة، لتحقق المنفعة، وإن كثر وجودها وقلت قيمتها. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: يرى جمهور الفقهاء من المالكية والحنابلة، وهو الأظهر عند الشافعية أن بيع التراب ممن حازه جائز لظهور المنفعة فيه، ويرى الحنفية، وهو مقابل الأصح عند الشافعية: أنه لا يجوز بيع التراب، لأنه ليس بمال ولا مرغوب فيه، ولأنه يمكن تحصيل مثله بلا تعب ولا مؤنة، لكن الحنفية قيدوه بأن لا يعرض له ما يصير به مالا معتبرا كالنقل والخلط بغيره. اهـ.
وكذلك الحكم في القمامة إذا كانت طاهرة وفيها منفعة مباحة، يجوز بيعها وشراؤها، ومن المعلوم الآن أن هناك صناعات كثيرة تدور على تدوير القمامة، بل إن الفقهاء نصوا على جواز بيع رجيع الحيوان المأكول اللحم كالبقر والغنم والحمام لاستعماله في تسميد الزرع، واختلفوا في رجيع الحيوان غير مأكول اللحم كالحمار، لعلة النجاسة فيه، جاء في مسألة بيع السماد من الموسوعة الفقهية: ذهب الحنفية إلى جواز بيع السماد، سواء أكان من المأكولة لحومها أم من غيرها، وكرهوا بيع العذرة رجيع بني آدم خالصة بخلاف ما خلط منها بالتراب أو الرماد، فلا كراهة، وفصل المالكية والحنابلة في المسألة وقالوا: بجواز بيع الزبل والسرقين والأسمدة الطاهرة كخرء الحمام وخثي البقر وبعر الإبل ونحوها، أما الأسمدة النجسة فيحرم بيعها عند الحنابلة، لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه ـ وهذا ظاهر مذهب المالكية أيضا، حيث أوردوا في باب البيع: أنه لا يصح بيع ما هو نجاسة أصلية أو لا يمكن طهارته كزبل من غير مباح، وذلك لاشتراطهم الطهارة في البيع، لكن العمل عند المالكية على جواز بيع الزبل الأسمدة غير المتخذة من عذرة بني آدم وذلك للضرورة، أما الشافعية فقد ذهبوا إلى عدم جواز بيع الأسمدة مطلقا سواء أكانت من المأكول اللحم أم من غيره، لأنه نجس ولا يصح بيع النجس سواء أمكن تطهيره بالاستحالة كجلد الميتة أم لم يمكن تطهيره كسرجين وأسمدة وغيرها. اهـ.
والله أعلم.