الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطالب العلم ـ بل والمجتهد ـ إذا تكافأت عنده الأدلة ولم يجد من المرجحات المعتبرة ما يقوي به أحد القولين، فالأظهر أن حكمه عندئذ حكم العامي، فيعمل بالتقليد لمن يرتضي دينه، ويثق في علمه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: متى أمكن في الحوادث المشكلة معرفة ما دل عليه الكتاب والسنة كان هو الواجب، وإن لم يمكن ذلك لضيق الوقت، أو عجز الطالب، أو تكافؤ الأدلة عنده، أو غير ذلك، فله أن يقلد من يرتضي علمه ودينه، هذا أقوى الأقوال. اهـ.
وقال في موضع آخر: والصحيح أنه يجوز حيث عجز عن الاجتهاد، إما لتكافؤ الأدلة، وإما لضيق الوقت عن الاجتهاد، وإما لعدم ظهور دليل له، فإنه حيث عجز سقط عنه وجوب ما عجز عنه، وانتقل إلى بدله، وهو التقليد، كما لو عجز عن الطهارة بالماء. اهـ.
فإن اختلف عليه من هم أهل للتقليد، وكانوا في درجة واحدة من الموثوقية، فقيل: يأخذ بالأشد، لكونه أحوط ولحصول براءة الذمة به بيقين، وقيل: يأخذ بأي الأقوال شاء ما لم يقصد تتبع الرخص، وقيل: يأخذ بالأيسر، لكون الشريعة مبنية على التخفيف، وهذا ما رجحه الشيخ ابن عثيمين، كما سبق أن بيناه في الفتويين رقم: 170671، ورقم: 169801.
هذا من حيث الجواز أو رفع الحرج، ويبقى أن الأفضل هو العمل بالقول الذي فيه احتياط لأمر دينه، لأن هذا التكافؤ يجعل المسألة من الأمور المشتبهة التي لا يعلمها كثير من الناس، قال ابن رشد في البيان والتحصيل: ما اختلف أهل العلم فيه لتكافؤ الأدلة في تحليله وتحريمه، فهو من المشبهات التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه من اتقاها فقد استبرأ لدينه وعرضه. اهـ.
ونقله عنه ابن دقيق العيد في الإلمام بأحاديث الأحكام: 2ـ 342.
والله أعلم.