الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فصلاة الجماعة في المسجد ثوابها عظيم وأجرها كبير، وهي من أعظم أسباب الثبات على الطاعة، لا سيما في بلاد الكفر، إلا أنها لا تجب على الرجال المقيمين ـ على القول بوجوبها عليهم ـ إلا على من يسمع النداء منهم، فلزوم الجماعة في المسجد إنما هو في حق من يسمع النداء بدون مكبر صوت عند هدوء الأصوات، قال ابن حجر في الفتح: والذي ذهب إليه الجمهور أنها تجب على من سمع النداء، أو كان في قوة السامع، سواء كان داخل البلد أو خارجه، ومحله ـ كما صرح به الشافعي ـ ما إذا كان المنادي صيتا والأصوات هادئة والرجل سميعا... ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم لابن أم مكتوم: أتسمع النداء؟ قال نعم، قال: فأجب ـ وقد تقدم في صلاة الجماعة ذكر من احتج به على وجوبها، فيكون في الجمعة أولى. انتهى.
وقال العثيمين في شرح رياض الصالحين: ثم من الذي تجب عليه الجماعة؟ هو الذي يستطيع أن يصل إليها وهو يسمع النداء، ولهذا استفتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل، قال يا رسول الله إنني رجل أعمى وليس لي قائد يقودني إلى المسجد، يريد أن يرخص له النبي صلى الله عليه وسلم، فرخص له، فلما أدبر ناداه قال: هل تسمع النداء؟ قال نعم، قال فأجب ـ فدل ذلك على وجوب صلاة الجماعة على الأعمى وأن العمى ليس عذرا في ترك الجماعة، ودل ذلك أيضا على أنها تجب في المسجد وأنه ليس المقصود الجماعة فقط، بل الجماعة وأن تكون في المسجد، ودل ذلك أيضا على أن العبرة بسماع النداء، ولكن المراد سماع النداء المعتاد وليس بالميكروفون. انتهى.
فإذا كنت تبعد عن المسجد مسافة لا تسمع معها النداء بدون مكبر صوت لو قدر أن هناك نداء لم يلزمك الذهاب للمسجد في الصلوات الخمس ـ باستثناء الجمعة، لأنها تجب على من في المصر ولو لم يسمع النداء ـ والمسافة التي ذكرت أنك تقطعها بالقطار للمسجد يبعد معها إمكانية سماع صوت الأذان، وراجع في خصوص حكم التخلف عن الجماعة بسبب الدراسة، الفتوى رقم: 291652.
وفي خصوص الأعذار المبيحة للتخلف عن الجماعة، الفتويين رقم: 142417، ورقم: 282787.
والله أعلم.