الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الصلاة هي عمود الدين، وأجلّ أركان الإسلام بعد الشهادتين، وقد وقع الخلاف في كفر تاركها، فلا يرضى مسلم لنفسه أن يكون انتسابه للإسلام محل خلاف بين أهل العلم، فطائفة تراه كافرًا خارجًا من الملة، وأخرى تراه شرّ المسلمين، وأفسق أهل القبلة، وشرًّا من الزاني، والسارق، وشارب الخمر، وقاتل النفس.
وقد نقل ابن القيم -رحمه الله- إجماع المسلمين على أن تارك الصلاة الواحدة حتى يخرج وقتها، شر من الزاني، والسارق، وشارب الخمر، وقاتل النفس، وهذا نص كلامه -رحمه الله- في أول كتاب الصلاة: لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمدًا من أعظم الذنوب، وأكبر الكبائر، وأن إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس، وأخذ الأموال، ومن إثم الزنا، والسرقة، وشرب الخمر، وأنه متعرض لعقوبة الله، وسخطه، وخزيه في الدنيا والآخرة. انتهى.
فأي مسلم يرضى لنفسه بهذه المنزلة الردية؟!
وقد نقل المحقق ابن القيم عن الإمام أحمد كلامًا نفيسًا ننقله عنه هنا للفائدة، قال -رحمه الله-: قال: فكل مستخف بالصلاة، مستهين بها، فهو مستخف بالإسلام، مستهين به، وإنما حظهم من الإسلام على قدر حظهم من الصلاة، ورغبتهم في الإسلام، على قدر رغبتهم في الصلاة، فاعرف نفسك يا عبد الله، واحذر أن تلقى الله ولا قدر للإسلام عندك؛ فإن قدر الإسلام في قلبك، كقدر الصلاة في قلبك. انتهى.
وإذا علمت هذا، وعلمت منزلة الصلاة من الدِّين، وخطورة تركها، وأن تاركها شر من الزاني، والسارق، وشارب الخمر، وقاتل النفس، فلا نظنك بعد ذلك تتهاونين بها، وتقصرين في أدائها البتة.
ويعينك على المحافظة على صلاتك: الاجتهاد في الدعاء، ولزوم ذكر الله تعالى، وصحبة أهل الخير، ومجانبة أهل الشر، والبعد عن أسباب الفتن، والشهوات المفضية إلى ترك الصلوات، وأن تلزمي نفسك فعلَ النوافل؛ فإن النوافل سياج حصين بين العبد وبين التقصير في الفرائض.
ومتى حافظت على الصلاة، وجاهدت نفسك لذلك، فإن الصلاة ستصير قرة عين لك، وتلتذين بها، وتتنعمين بفعلها، وتكون أخف شيء على نفسك، لكن هذا لا ينال إلا بالمجاهدة، والمصابرة، كما قال بعض السلف: تعذبت بالصلاة سنة، ثم تنعمت بها عشرين سنة، حتى إني لأدخل في الصلاة أحمل هم خروجي منها.
نسأل الله أن يعيننا على أنفسنا، وأن يعيذنا من شرها.
والله أعلم.