الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا في البداية ننبهك إلى أنه يجب عليك أن تبادر إلى أن يتوب إلى الله تعالى لإقدامك على شرب الخمر، فهو ذنب عظيم من كبائر الذنوب، وذلك أن الخمر أم الخبائث، وتحريمها مما علم من الدين ضرورةً، فهي محرمة بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وقد ورد التحذير منها والوعيد الشيد على شربها في نصوص شرعية كثيرة، ذكرنا طرفا منها في الفتاوى التالية أرقامها: 1108 // 10399 // 233371.
أما بخصوص الطلاق في حال شربها ففيه تفصيل، فإن كان الشارب لم يفقد عقله بالكلية، بل يعي ما يقول ويصدر منه من تصرفات فإن طلاقه واقع بلا خلاف. وأما إن كان عقله زال بشربها بالكلية، فالجمهور يقولون بمضي طلاق السكران. جاء في الموطأ: (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلَا عَنْ طَلَاقِ السَّكْرَانِ فَقَالَا: إذَا طَلَّقَ السَّكْرَانُ جَازَ طَلَاقُهُ، وَإِنْ قَتَلَ قُتِلَ بِهِ قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) انتهى.
قال الباجي في المنتقى شرح الموطا: «قَوْلُهُمَا: إذَا طَلَّقَ السَّكْرَانُ جَازَ طَلَاقُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ. وَلِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ. وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ، وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيّ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَرَبِيعَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَزِمَهُ الْقَطْعُ بِالسَّرِقَةِ، وَالْقِصَاصُ فِي الْقَتْلِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ، أَصْلُ ذَلِكَ الصَّحِيحُ.» انتهى
والذي يظهر من حالك أنك كنت تعي ما تقول حال تلفظك بالطلاق، لكونك تروي ما حصل منك بنفسك، وعلى هذا، فإن الطلاق الذي صدر منك يرجع فيه إلى نيتك، فإن كان مرادك رجوعَ زوجتك إلى البيت مطلقاً خلال هذه المدة، فإنها تطلق بمجرد دخولها، وذلك لحصول الشرط المعلق عليه، وهو الدخول. وإن كان قصدك بالرجوع أن تكون أنت هو المتسببَ في ذلك، ففي هذه الحالة لا تطلق إن دخلتْ بغير سبب منك.
والله أعلم.