الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فرقية الإنسان لنفسه، فعل حسن، مشروع، وليس هو مانعا من دخول الجنة بغير حساب، وإنما الذي ورد في الحديث أنه يمنع دخول الجنة بغير حساب الاسترقاء، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم في صفة السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب: هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون. متفق عليه.
وليست رقية الإنسان نفسه استرقاء، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرقي نفسه وغيره، وهذه الرقية لا تنافي التوكل، بل هي من الأسباب المشروعة، والتي ندب النبي صلى الله عليه وسلم إليها أصحابه، وهو لا يندبهم إلا إلى ما فيه الخير.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين: هل الرقية تنافي التوكل؟
فقال بعد كلام: قراءة الإنسان على نفسه، وقراءته على إخوانه المرضى، لا تنافي التوكل، وقد ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يرقي نفسه بالمعوذات، وثبت أنه كان يقرأ على أصحابه إذا مرضوا. انتهى.
وأما رواية: لا يرقون. والتي أخرجها مسلم في صحيحه، فقد ضعفها شيخ الإسلام ابن تيمية، محتجا بمخالفتها للثابت من فعله صلى الله عليه وسلم كونه رقى نفسه وغيره، ومن صححها، حملها على أنهم لا يرقون بالرقى المحرمة، الممنوعة شرعا.
قال الحافظ في الفتح: ووقع في رواية سعيد بن مَنْصُور عِنْد مُسْلِم "وَلَا يَرْقُونَ" بَدَل "وَلَا يَكْتَوُونَ" وَقَدْ أَنْكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَزَعَمَ أَنَّهَا غَلَطٌ مِنْ رَاوِيهَا، وَاعْتَلَّ بِأَنَّ الرَّاقِيَ يُحْسِنُ إِلَى الَّذِي يَرْقِيهِ، فَكَيْف يَكُونُ ذَلِكَ مَطْلُوبَ التَّرْكِ؟ وَأَيْضًا فَقَدْ رَقَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَقَى النَّبِيّ أَصْحَابه، وَأَذِنَ لَهُمْ فِي الرُّقَى وَقَالَ "مَنْ اِسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ" وَالنَّفْعُ مَطْلُوبٌ.
قَالَ: وَأَمَّا الْمُسْتَرِقِي فَإِنَّهُ يَسْأَلُ غَيْرَهُ وَيَرْجُو نَفْعَهُ، وَتَمَامُ التَّوَكُّلِ يُنَافِي ذَلِكَ. قَالَ: وَإِنَّمَا الْمُرَاد وَصْف السَّبْعِينَ بِتَمَامِ التَّوَكُّل، فَلَا يَسْأَلُونَ غَيْرَهُمْ أَنْ يَرْقِيَهُمْ، وَلَا يَكْوِيهِمْ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ مِنْ شَيْءٍ. وَأَجَابَ غَيْره بِأَنَّ الزِّيَادَة مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَسَعِيد بْن مَنْصُور حَافِظٌ، وَقَدْ اِعْتَمَدَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم، وَاعْتَمَدَ مُسْلِم عَلَى رِوَايَته هَذِهِ، وَبِأَنَّ تَغْلِيطَ الرَّاوِي مَعَ إِمْكَانِ تَصْحِيحِ الزِّيَادَةِ، لَا يُصَارُ إِلَيْهِ ....
إلى أن قال: الرقية في ذاتها ليست مَمْنُوعَةً، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهَا مَا كَانَ شِرْكًا، أَوْ اِحْتَمَلَهُ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اِعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، وَلَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ شِرْكٌ" فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى عِلَّةِ النَّهْيِ، كَمَا تَقَدَّمَ. انتهى.
والحاصل أن رقية الإنسان نفسه، ليست منافية للتوكل، ولا مخرجة لصاحبها من جملة الذين يدخلون الجنة بغير حساب بحال.
وأما سؤالك عما فعلته بعد قراءتك حديث عثمان بن أبي العاص الذي قال فيه: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وبي وجع قد كاد يهلكني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: امسح بيمينك سبع مرات، وقل: أعوذ بعزة الله، وقدرته من شر ما أجد، قال: ففعلت هذا، فأذهب الله ما كان في، فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم. رواه الترمذي وصححه. فما فعلته من قراءتك هذه الرقية ثلاث مرات، أو أربعا بنية الرقية، فتكون بذلك قد رقيت نفسك، ولو لم تكمل سبع مرات.
والله أعلم.