الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولًا أن علاج الوساوس هو الإعراض عنها وعدم الالتفات إليها.
وأما ما يتعلق بأمر النية: فإنك لو فعلت ما ذكر ونحوه مما في معناه من المباحات بغير نية التقرب إلى الله تعالى لم يكن لك على فعلها أجر، ولست كذلك آثمًا؛ إذ إنك قد فعلت ما يباح لك فعله، ولكن الأكمل أن تستحضر نية صالحة تثاب عليها، فإن العبد يثاب إذا نوى بفعل المباح ما يقرب إلى الله تعالى، كما قال معاذ -رضي الله عنه-: إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي.
قال الشيخ/ ابن عثيمين -رحمه الله-: ينبغي لنا ألا ننوي بأكلنا وشربنا مجرد التشهي، أن ننوي به:
أولًا: امتثال أمر الله عز وجل، لأن الله أمرنا بالأكل والشرب في أي آية؟ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} [الأعراف:31] {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ} [البقرة:172].
ثانيًا: ننوي بذلك حفظ أبداننا؛ لأن بدنك أمانة عندك ائتمنك الله عليه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] هذه الأمانة الدينية، والأمانة البدنية الدنيوية: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء:29] {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195] إذًا فننوي بالأكل حفظ هذا البدن الذي جعله الله أمانة عندك، نقيه الشر في الدنيا والآخر.
ثالثًا: ننوي بذلك التنعم بنعم الله، التنعم بنعم الله قربة؟ نعم؛ لأنه يدل على قبولك لنعمة الله عليك، قبولك لمنة الله عليك، ومعلوم أن قبول ذي المنة اعتراف بفضله عز وجل، فأنت تعترف بفضل الله، وتتمتع بنعمه، ولهذا جاء في الحديث: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه). إذًا ويحب أن يتبسط عباده بنعمه؛ لأن الكريم يحب أن ينتفع الناس بكرمه.
رابعًا: تنوي بذلك التقوِّي على الطاعة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (تسحروا فإن في السحور بركة). أمرنا بالسحور من أجل التقوِّي على الصيام، فأنت تنوي بأكلك وشربك التقوِّي على طاعة الله. إذًا انقلبت هذه النعمة التي يتمتع بها أكثر الناس تشهيًا انقلبت عبادة، فبإمكان الإنسان الموفق أن يقلب عاداته عبادات، والغافل تكون عباداته عادات، يروح يصلي على العادة، يتوضأ على العادة، يمكن لو عاش في بيئة أخرى غير مسلمة يمكن أن يمشي على ما هم عليه عادة، لكن الموفق يجعل من عاداته عبادات. انتهى.
ولتنظر الفتوى رقم: 58107.
والله أعلم.