الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنميمة: هي نقل الكلام بين الناس بقصد الإفساد، جاء في مختصر منهاج القاصدين: النميمة تطلق في الغالب على نقل قول إنسان في إنسان، مثل أن يقول: قال فيك فلان كذا وكذا، وليست مخصوصة بهذا، بل حدُّها كشف ما يُكره كشفه، سواء كان من الأقوال أو الأعمال، حتى لو رأى شخصا يخفي ماله فأفشى، كان نميمة.
وجاء في الدر الثمين لميارة المالكي: النميمة أشد من الغيبة، لأن فيها الغيبة وزيادة.
أما الغيبة: فهي ذكر الشخص أخاه بما يكره من العيوب وهي فيه، فإن لم تكن فيه فهو البهتان، كما في الحديث: قيل: ما الغيبة يا رسول الله؟ فقال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته. رواه مسلم.
وقال ابن الحاج المالكي في المدخل: وَالْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ مَخْرَجُهُمَا مِنْ طَرِيقِ الْبَغْيِ، وَالنَّمَّامُ قَاتِلٌ، وَالْمُغْتَابُ آكِلُ مَيْتَةٍ، وَالْمُبَاهِي مُتَكَبِّرٌ، وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ أَمْرُهُمْ وَاحِدٌ بَعْضُهَا مِفْتَاحٌ لِبَعْضٍ.
ولذلك، فإن الأمثلة التي ذكرتها هي عين النميمة والغيبة المحرمة شرعا والمكروهة طبعا، لكن إذا اقتضى ترك النميمة مفسدة أو فعل الغيبة مصلحة لم يكونا حراما، وربما وجبا في بعض الحالات، قال ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام: النَّمِيمَةَ إذَا اقْتَضَى تَرْكُهَا مَفْسَدَةً تَتَعَلَّقُ بِالْغَيْرِ، أَوْ فِعْلُهَا مَصْلَحَةً يَسْتَضِرُّ الْغَيْرُ بِتَرْكِهَا، لَمْ تَكُنْ مَمْنُوعَةً، كَمَا نَقُولُ فِي الْغِيبَةِ: إذَا كَانَتْ لِلنَّصِيحَةِ، أَوْ لِدَفْعِ الْمُفْسِدَةِ، لَمْ تُمْنَعْ، وَلَوْ أَنَّ شَخْصًا اطَّلَعَ مِنْ آخَرَ عَلَى قَوْلٍ يَقْتَضِي إيقَاعَ ضَرَرٍ بِإِنْسَانٍ، فَإِذَا نَقَلَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْقَوْلَ اُحْتُرِزَ عَنْ ذَلِكَ الضَّرَرِ لَوَجَبَ ذِكْرُهُ لَهُ.
وعلى هذا، فإن قولك: وإذا قمت بقول ما قيل دون الاسم كنصيحة... لا يعتبر من الغيبة المحرمة، وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى التالية أرقامها: 6710، 36984، 108924، 241624.
والله أعلم.